دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة

سائق القطار بقلم/ أحمد عيسى Ahmad Eisa


على حين كان يُحب أقرانُ الطفل "ناجي" سماع الأغاني، ومشاهدة برامج الكارتون، وأفلام الكوميديا والاقتتال، كان "ناجي" يعشق سماع بُوق وصوت عجلات القطار.

منذ نعومة أظفاره وهو يَحْلُم بأن يكون قائدَ قطارٍ، كم كان يحب السَّفَر مع والديه كثيراً؛ لأنه سيرى القطار ويركبه، وربما حانت له فرصة ليرى سائق القطار فيتعرف سماته، ويعاين ملامحه، ويشاهد زيه داخل قُمْرة وكابينة القطار.

قد أدرك "ناجي"  لكثرة ركوبه القطار وتردده على المحطة عِشْقاً وشَغَفاً، متى تكون زَمَّارة القطار مُؤذِنة بتهدئةٍ ووقوف، ومتى تكون مُشعِرَةً باستعدادٍ لانطلاقٍ وإقلاع، وأخيراً متى تكون هذه الصَّفَارة نذيراً لقطاراتٍ أخرى بدنو الاقتراب، أو  بضرورة تحويل القطار والتخزين لقطارٍ آخرَ فائق السرعة.

لم يُدرك "ناجي" في ذلك الوقت أن هناك بوقاً من نوع آخر قلَّما يُصدِره سائق القطار؛ وذلك قُبيل وقوع حادثٍ من صدام حتمي لا مَعْدًى عنه ولا مَنَاصَ منه لحيوانٍ، أو  آلة، أو  عربة، أو  ربما لإنسانٍ قد أخذته سَكْرَةٌ وغَمْرَة، أو  تملَّكه هَمٌّ وحَسرة، أو  استبد به يأسٌ وعميق فِكْرة.

استكمل "ناجي" دراسته التي تؤهله لسلوك طريق قيادة القطار، وتدرَّب عدة سنواتٍ في ورش السكة الحديد حيث كان طالباً لسنواتٍ طويلة، وعمل فنياً لأعوامٍ أخرى مديدة.

أصبح "ناجي" معاوناً لسائق قطار مدة سنتين أو  ثلاث سنوات، بعدها ترقَّى إلى أن صار قائداً مستقلاً للقطار، وقد فُوجئ "ناجي" بمرور العمر حين وجد نفسه قد جاوز الأربعين، بعد أن أصبح زوجاً وأباً.. ربّ أسرةٍ وذا وَلَد.

"ناجي" بعد عودته من إحدى رحلاته يدخُل مبتهجاً مُحدّثاً زوجته سَمَر..

ناجي: السلام عليكم سيدة الدار.

سمر: مرحباً بقائد البيت والقطار.

ناجي: كيف حالكِ والأسرة والولد؟

سمر: بخيرٍ.. أما لأسفارك هذه من راحةٍ أو  قرب أمد؟

ناجي: ذاك حين أبلغ الستينَ أو  ينتهي العُمر والأَجَل.

سمر: بارك الله بعمركَ ومتَّعكَ بحُسن الصِّحة والعَمَل.

ناجي: هيَّا افتحي الحقائب ففيها حاجيات لكم وطَلَب.

سمر: لا طلبَ لنا أو  أَرَب غير شكر الإله على كل ما وَهَب.

ناجي: سفري كما تعلمين غداً إن شاء الله في المساء.

سمر: إذن فحَمَّام وغَداءٌ.. ثم نومٌ كافٍ وخفيفُ العَشَاء.

نام "ناجي" فإذا به يرى نفسه بمحطة مصر يحاور صديقه "كامل" قائد قطار دمياط..

ناجي: أوشكنا على الإقلاع يا "كامل" سَفْرتي لأسيوط، ورِحْلتك إلى دمياط.

كامل: "ناجي"، ألا تجرب معي هذا النَّوْع.. كم هو مُبهج مُنعش طاردٌ للنوْم؟

ناجي: ما هذا؟! لا تفعل. لا تشرب هذا أو  غيرَه لا بسَفَرٍ ولا أنتَ في حَضَر.

كامل: جلبتُه من أجل يقظةٍ وانتباهٍ دفعاً لسِنَةٍ من النُّعاس أو  لمللٍ وكَدَر.

ناجي: لِمَ لَمْ تُرِحْ نفسكَ أمس والبدن.. وتترك ثقيل الطعام أثناء العمل؟

كامل: كنتُ جوعانَ فأكلتُ جَمّاً بنهم وأخشى الآن داهيةَ النَّوْم والقَدَر.

ناجي: عَمَلُنا يا صاحبي إنما نحتمل فيه مئاتِ الأرْوَاحِ والأنفسِ والمُهَج.

كامل: لذا سأتناول هذا من أجل تأمين هؤلاء المسافرين من أدنى خَطَر.

ناجي: فراقٌ بيني وبينك يا "كامل" إن أنت لم تُلقِ هذه اللفائفَ والوَرَق.

كامل: لا تُكَبِّر يا "ناجي" صغيرَ أمرٍ بلا داعٍ وتقلق على ورحلتي والسَّفَر.

ناجي: أليس من الدِّين وأصولهِ حِفْظُ عَقْلٍ ومَالٍ وأعراضٍ والنَّسْل وَالوَلَد؟

كامل: يا شيخُ "ناجي" حانَ الآن السَّفَر.. دُونَكَ لفائفي والسجائر والعُلَب.

ناجي: أحسنتَ يا "كامل" نِعْمَ الصّنيع والعمل.. إلى لقاءٍ آخر أيها البَّطَل.

شَعَرَ "كامل" بعد أن انطلق بالقطار بدُوار وصُداع، ووَهن ووَخَم، فإذا به يُخرِج ما استطاع أن يَدسُّه بمنأى عن عيني "ناجي"، وشَرَع في تَعَاطٍ طويل وعَبٍّ ونَهَم.

لم تمرَّ ساعةٌ حتى احمرَّت عينا "كامل" وازرقَّ منه البدن، مع اختناقٍ نَفَسٍ ونَصَب وتعرُّق ورهَق، تحسس "كامل" هاتفه ليُخبر برج المراقبة أو  يستغيث بنداءٍ وطَلَب.

لكن الوقت قد فات وانقضى فلم يستطع "كامل" تحويل قطاره لـ "تربينو إسباني" أقبل يزفُّ مسرعاً، مصدراً آخر بُوق وأعلاه للحرص والحذر، عندها فَزِع "ناجي" من نومه مُستعيذاً بالله مُستغفراً، وقد هُرِع إلى هاتفهِ لِيطمئن على "كامل" صديقه وصاحبه!



عن الكاتب

قادح زناد الحروف

التعليقات

طباعة ونشر وتوزيع ، ظهور إعلامي ، ورش أدبية
اشترك بالعدد الجديد من مجلة القلم الورقية للتواصل والاستعلام / 0020102376153 واتساب

اتصل بنا 00201023576153 واتساب

شاركونا الإبداع

جميع الحقوق محفوظة

دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع