كان دائما يعتقد إنه حاضر في جميع الأوقات عند اهله الذين لم يغيبوا
عن عينيه ابدا لحظة فاجتهد بالعمل فكان يعمل طوال الوقت حتى ذاع صيته في مجال عمله فصار مطلوبا لمعظم شركات الأعمال وخصوصا بتخصصه النادر بإعداد البرامج الإلكترونية فغرق في العمل مسروق بعامل الوقت من اجل أن يسعد أسرته ويكون سببا بعد الله في الإرتقاء بيهم إلي مستوى إجتماعي وخصوصا بعد العمل على بناء عمارة كبيرة بإحدى المدن وانتقلت الأسرة لتعيش حياة جديدة
لتخرج من زيها الريفي وتدخل بدون وعي بحياة المدينة فتناست ماكان من عادات وتقاليد تأصلت بجذورها وكان يحاول كل من الأبناء البعد عن كل متأصل فيها واستحداث هواية باساليب جديدة تناسب هذه الحياة فتفرقت الأسرة
كل حسب هواه وما يحب فانطلق الكل بحثا عن حريته من منظوره الضيق لمعنى الحرية المطلقة فاطلق لنفسه عنان الخيال وبذلك صار الأب الغائب هو محور إهتمام الجميع من أجل تلبية طلبات الجميع فصار الأب مجرد خزينة صرف للأسرة بدون إيداع فاستهلك الرجل نفسه من أجل الصعود بأسرته إلى الهاوية دون أن يدري
فقد كان محبا بقلبه لهذه الأسرة أكثر من عقله فهو يرى أولاده مهما فعلوا فهم ملائكة الله على الأرض ولذلك عندما مرض واشتد عليه المرض قرر أن يأخذ مستحقاته ويعود إلى دفء الأسرة
الذى قد انسته الأيام تلك الدفء بسبب الغربة وعجلة الحياة وسرعتها التي تطحن الأيام دون أن ندري والطلبات التي لاتزيد كل يوم عن الآخر
وفجاءةوقف مع نفسه أمام المرآة
ليجد شخصا آخر لم يعرفه فقد كثرة
التجاعيد بالوجه وكساه شعر المشيب
ثم إنتبه إلى بطء حركاته وتلعثم لسانه بالنطق وذاكرته التي لم تعد تسعفه بإستحضار صور ومواقف من الذكريات
وفي هذه الوقفه قرر العودة للأسرة لينعم بالسعادة بما تبقى من العمر هنا ظهرت إبتسامة سعيدة رسمت بوجه ثم جمع ماله عائدا إلى الأحضان الدافيئة
وقد كانت مفاجاءته التي أذهلته إنه لا يعرف عنوانه بيته ولذلك وجب عليه أن يتصل بزوجته التي لم يرغب أن يخبرها بموعد حضوره لكي تكون مفاجاءة سعيدة للأسرة
ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن فاتصل عليها لكي تستقبله بالمطار ولكن وجد رقم الهاتف غير متاح ثم كرر الإتصال مرات عديدة على كل أفراد الأسرة فلم ترد إلا إبنته التي تركت حياة المدينة عائدة إلى جذورها حيث البيت القديم بقريتها لتحتمي بيها من وحش المدينة والمدنية الذي افتراس أسرتها بزيف الحياة وإبهر الصورة التى استنزافت كل موارد الأسرة من اجل حياة خادعة كاذبة
فلقد تصابت الزوجة مع أصدقاء إبنها
وتاهت بدروبها لكي تكون سيدة مجتمع
اما الولد سار في دروب المخدرات
وأصبح مدمن يحتاج إلى مبلغ كبير من المال لسد إحتياجاته اليومية
اما الولد الثاني صار متطرفا منعزلا بإحدى الجبال أو قد هاجر من البلد إلى احضان المستقبل المجهول
أو قد يكون قتل ولا أحد صار يعلم عنه شيئا
هنا ذرفت حنان الدمع باكية بصوت مرتفع خائفة على ابيها العائد من علمه
بضياع إسرته بسبب لم يكن حاضرا بعين الزوجة او بقلب الأبناءفكان غائبا عن كل الأشياء حتى العواطف فاستجمعت حنان قوتها لإحضار والده من المطار فوجدت رجلا عجوزا مريضا لا يقدر على حمل الحقائب فذهبت إليه مسرعة لتحتمي بهذا الحصن المتهلاك بفعل الزمن والغربة فمسح دموع إبنتها وقال لها
أنا لم أعد غائبا
فقالت ابنته إنك كنت غائبا بالفعل إلا من خيالي
فقال لقد أخبرني الزمن بما ترفضين أن تخبريني بيه
قالت له هيا إلى القرية فمازال البيت القديم ينظر الغائب ليعيد بنائه
قال لها إن شاء الله هذا ما يبقى لكي
من ذكرى والدك الغائب
وفعلا عمل الرجل على إعادة بناء البيت القديم من جديد
ثم جاءت الزوجة وابنها إلى البيت
فوجدت حنان تبكي فلقد صعدت روح والدها لربها حيث المستودع والمستقر بقبر معروف العنوان
هنا بكت الام والأبن ولكن بعد فوات
الأوان. فقد صار غائبا للأبد
الكاتب /إبراهيم شبل
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة