متلازمان ومترابطان ومتأرجحان كصغيرين على أرجوحة ،يتسابقان ليصل كل منهما لبلوغ الحالة التي خلق من أجلها فلا اللذة تكون منفردة ولا الألم وحده كل يكمل الاخر لخلق التوازن العاطفي .
ماخلقت اللذة الا لمحو الألم وماخلق هذا الأخير الا ليضبطها فهي القاهرة للروح اذا تمكنت منها، واذ يستبيح الألم عنفوان اللذة نجدها تكسره في أوج قوته، وهما كتوأم يشتركان في أشياء كثيرة يحسان ببعضهما ويعيشان بقلب واحد ويتفرقان على كل القلوب .
كم لذة عبرت في صحراء حياتنا وجابت كثبانها: لذة النجاح والتفوق والظفر بما نتمناه ولقاء الأحبة وأكلة هنية وثوب اقتنيناه وولد رزقنا به ، وضحكة خالطتها سعادة قلب خال، وكسب مشروع ، وبيت فاخر وجولة أزاحت عن الخاطر كدره، كم وكم وكم ،،وهذا مايجعلنا نهيم في بيداء الأنفس باحثين عن السعادة التي ستمنحنا هذه اللذة ،كل الظروف تدفعنا لذلك ، ونتناسى وتأخذنا بعيدا عن الواقع ونُخلّف وراءنا مالاتراه عيوننا وتعلونا الغطرسة ونحس أننا نملك العالم بأكمله وتغشانا السكينة التي تهفو بأرواحنا فتهزأ بها وتؤتيها أملا خائبا ويعبر قطار العمر بين هذا وذاك ولا أحساس يردعنا ونطمئن وهيهات الاطمئنان الكون أكمله ملكنا والحياة مشرئبة الأعناق تتوق لما هو خير وأحلى ومن لذة الى أخرى نحن نتهاوى ،ونتناسى .....،ويأتي الألم بجبروته وعنجهيته وعجرفته في سكون اليل أو فلق الصبح يأتي رويدا رويدا يمشي الهوينى كي لايحدث صخبا في الحياة يسري في قطع من السواد يحط في أعماق القلب ويكِنُّ، او يحل قريبا من محلنا ،تراه لم زارنا ؟ يجالسنا مع القوم يرينا قيمة العبد في الأرض يصحح مسارنا يعبث بأوراقنا التي بتنا نرتبها وفق لذاتنا يعبر ويترك الأثر ،قال وقوله لايزيغ انا الالم وحدي من أفهم تقاسيم الروح وحاجاتها ،ترافقه العبرات والأحزان تشدو كما تشدو البلابل لكن بنغم حزين ،تعصف بأوراق صففناها وكتبناها بنبضاتنا تعدو عندنا الأحلام هاربة وأين المفر لابد من الأنكسار لنقوى ويشتد عودنا لابد من الدمع لنغسل ما اقترفنا ،لابد من الشجن لنحيا كما تحيا القلوب ،افئدة مصفوفة وهامات متعالية تحتاج الى قليل من جرعات الالم فتقص أجنحتها حتى لاتطير في فضاء الضياع كم من نفس انشغلت وهامت في متاهة كم من روح لم تتدارك مافاتها لان اللذة ختمت على القلب،كم من مسكين توخى وحذر لكن انشغاله بحلاوة الدنيا أنساه حلاوة الآخرة .
ماعساي أقول إلّا أن القلب المحظوظ هوماكان مرتعا للأحزان فيخلو معها في الملكوت متدبرا ومفكرا ومسترجعا ومستفسرا ومراجعا لسكناته وحركاته وأقواله ،نحسبه شرا وهو خير كثير ولانعلم أنه خير لنا ولو كان كما ابتغينا لكان الألم أفظع نبكي وننوح ولانعلم ان ذلك المقدار من الالم تخفيف من المولى عزوجل وتكفير للحظات لذة عشناها ولم نحمد الخالق أو كبر بلغناه واستمرينا فيه بجهل منا ، انها مقادير الله ان جعل لكل شيء قدْرا ، نصبر ولانصبر ويخبو صبرنا كنار أوقدناها في ليلة عاصفة فانطفأت فرحنا نبحث عن جذوة لاشعالها فتهنا وانشغلنا بسكون اليل ونسينا اننا نبحث عن الهدى لننير العتمة التي تحيط بنا ،علينا التعود على الالم واستقباله برضا لأنه ترياق الروح وهي تحتظر ،وزينة النفس أمام بارئها وقربة الروح اليه ،تلك الدموع النازلة لاتتوانى أن تدنيك من مكانة ومنزلة ومقربة من الخالق فتناجيه وتحدثه وتشكو وجعك وتشهق بين يديه وتبوح بكل أسرارك وتخترق حجب السماء فتحس انك تجلس تحت عرشه ذليلا ضعيفا متهاويا لتجد روحك قد علت واستكانت وكأنك العائد بعد غربة الى حضن الوطن والأم ،احساس جميل وانت تقدم ألمك بين يديك عليلا بالاوجاع فتجد رب السماوات وما أقلت والارض وما حملت مضيافا لروحك ماسحا لأوجاعك غافرا لذنبك فتخر شكرا وتبدي عذرا وتستقبل بشرا .
استبشروا خيرا أيها الحزانى والموجوعون لن يبقى الألم مدى الحياة ولن تبقى اللذة كذلك يتراوحان كميزان بدقة عالية لتبقى الروح كما يحبها الله ان تبقى. حكمة بالغة منه وعلينا ادراكها .فطوبى لمن عرف ففهم وفهم فعمل وأسلم أمره لله .
علينا التعايش مع النقيضين كالملح والسكر الأول يزيد طعامنا ملاحة والآخر يُحليها وكلاهما نافع ولذيذ فمن قال ان الالم الم فحسب انه قمة اللذة وانت تناجي الخالق بصدقك بوجعك بضعفك فتجده مجيبا بعدطرقك للأبواب وعودتك خائبا من أبواب البشر ، ايه ياقلب لو تدري اللذة الحقيقية وانت تناجي الله لافرغت قلبك من كل اللذات ،واتبعت سبيل اللذة الخالدة واستبشرت خيرا لأنك بذلك على سبل الهدى .
كم هو جميل أن تغير مسار حياتك وتزهد في كل ماحولك ليس زهد التارك اليائس بل زهد العالم العارف الذي وظف وسخر كل ما يحيط به للقرب من المولى عزوجل .
لايمكن لأي أحد أن يوضح الأمر لأن الأمر بيد الله والتوفيق من عنده فما خاب ولاخسر من أفرغ قلبه من النزوات العابرة والشهوات البائدة والسلوكات المشينة والاوقات الفارغة ،هنا النفس مخيرة وعليها ان تختار بين دربين لاثالث لهما نعيم وسكون وطمأنينة ،أو تشوش فكر وانشغال وقلق وراء تصاريف زائلة و أحوال مبعثرة كأوراق الخريف .
هي القناعة التي يجب ان تربو في أنفسنا فنغذيها بالصبر والرضا والعود الى الله وتسليم مشيئتنا له مخبتين مخلصين النية ،هنا يكفينا من القول اللهم رضينا بك ربا وخالقا وعادلا وخبيرا نعم المولى ونعم النصير .
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة