دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة

غنّت فيروز بقلم علي محمود الشافعي


              مسرحية شهيرة ــ يا دام فضلكم ــ للسيدة فيروز اسمها ( يعيش ) , لا أظن أحدا من شبابنا قد سمع بها , فشباب اليوم لهم فنّهم وطبلهم وزمرهم  , أنصح من لم يسمعها ومن لم يسمع بها أو يشاهدها أن يتبعها بعين الفكر وأذنه , فهي موجودة على اليوتيوب , ومشاهدها هادفة تحتاج لوقفات وتمعن وإسقاطات على واقعنا الجميل . 

             المسرحية باختصار تتحدث عن إمبراطورية  ما, في زمن ما , على أرض ما. الإمبراطور فيها حاكم فرد , يقبع في قصر عاجي , لا يعلم عن رعيته إلا بمقدار ما أعلم أنا عن سكان جزر (واق الواق )في المحط الأطلنطي كما يزعمون في الأساطير , أو نهائي الدوري الإسباني لكرة القدم . هذا الإمبراطور يطلِق أيدي زبانيته  يسيرون دفة البلاد كيفما شاءوا,  بينما يغرق هو في ملذاته وشهواته , حيث أمعنوا في الرعية  بطشا وترويعا , وإذلالا و تركيعا , و تعرية وتجويعا, وتدويرا وتربيعا . 

             حصل انقلاب على الإمبراطور من زمرة أكثر منه فسادا وإفسادا , طامعة في السلطة , فغيرت كل شيء تغييرا شكليا ؛  يعني غيرت شوارب رجال العهد الجديد فأصبحت لتحت , بينما كانت شوارب ( زُلم) رجال العهد البائد لفوق . ثم استأجرت متعهدي مظاهرات ليطبلوا ويزمروا للانقلابيين , ليوهموا الناس أن كل الشعب يؤيد الانقلاب , وسُلِّمت الصحافة والاعلام لفئة جاهلة فاسدة , أصبحت أبواق دعاية وشراء للذمم , ومطاردة رجالات العهد البائد , وإقناع الشعب أن ثورتهم صحيحة ومؤيدة . 

         نعود ـــ يا سادة يا كرام ــ إلى الإمبراطور المسكين الذي تخلى عنه رجاله بما فيهم زوجته الإمبراطورة , وهربوا بأموالهم للخارج , ليبقى وحيدا , فيضطر إلى الهروب والاختباء متخفيا عند رجل طيب في بلدة على الحدود , مليئة بالمهربين وقطاع الطرق , يوهمه بأنه هارب من حكم عليه بسبب ضربه زوجته وحماته , فصدقه المسكين وآواه في بيته , فعرفه أهل القرية باسم (برهوم), وتتعاطفوا معه فعاش بينهم فترة كأنه واحد منهم . ثم يتحالف مع المهربين وقطاع الطرق , فيقومون بحركة انقلابية , ليعود مرة أخرى إلى سدة الحكم على قمة السلطة , ولا ينسى أن يغير شوارب العهد الجديد جدا آخر طبعة إلى الوسط ؛ لا لفوق ولا لتحت , ثم يمارس ما مارسه السابقون من بطش وترويع , ويدور الدولاب , ويبدا أولا بمن أحسنوا اليه  وأخفوه قائلا  : ( من بخيفي برهوم يخفي غير برهوم ) . لتختم بالمشهد الاخير بأغنية تقول فيها : 

طلع المنادي ينادي, ما فيهاش إفادة (فائدة)

القطعان في واد والرعيان في واد .

      هذا ــ يا دام عزكم ــ ملخص المسرحية , وما أشبه اليوم بالبارحة في ديار بني عرب , حيث الحكومات في واد والشعوب في واد آخر . الشعوب تبحث عن لقمة عيش شريفة مغموسة بقليل من كرامة , بينما الحكومات تصر على أن تسلبهم كل شيء حتى هذه الكرامة . والمشكلة التي تعاني منها الحكومات ـــ كان الله في عونها ـــ أن الشعوب لا تتنازل عن كرامتها ؛ فهي قد خسرت كل شيء لكنها لا تتنازل عن الكرامة , ولوكان ذلك على حساب دمها وحريتها وقوت عيالها .

       من الإسقاطات التي عجبتني عندما انتقدت فيروز العهد البائد المتمثل في برهون والعهد الحالي قال لها : لو خيروك أنت تختارين من ليحكم البلاد ؟ قالت على الفور : اختار جدي . سألها : لِم ؟ قالت : جدي عاش هموم الناس واكتوي بنيرانها , جدي يعلم عندما يضرب الثلج شجر اللوز كيف يبكي أصحاب اللوز , أنتم قرأتم في الكتب فبقيت نظرياتكم وأفكاركم في الكتب . أنا قرأت عن الذئب فبقي الذئب صورة في ذهني , لكن عندما هجم الذئب على مواشي القرية وشق بطونها عرفت ما معنى الذئب . 

             أقول لتجار الوطن وسماسرته :أنتم يا من تكرشون الكروش وتقرشون القروش , وتنفقون الأموال للبقاء على العروش , وترفعون الشعارات , وتفرضون الإتاوات , وتتحاكمون إلى الطاغوت , تسرقون أموال الناس وتأكلونها بالباطل , وتدلون بها لمن يمنحكم المناصب الرفيعة, والدرجات العليا , فتمتد أيديكم على ثروات الوطن هبشا ونبشا , أقول لكم : نحن أبناء الوطن نسكن فيه ويسكن فينا , نعشق كل حبة رمل على أرضه نقبّلها ونضعها فوق رؤوسنا , نذوب في كل قطرة ماء تروي عطش ترابه , ندافع عنها ونفديها بأرواحنا . 

               الوطن لنا , كله لنا لا نفرق بين شرقيه وغربيه ولا بين شماله وجنوبه , لا نفرق بين حبة رمل في البصرة واختها طنجة , شاء من شاء وأبى من أبى . نحن المدافعون عن ترابه إذا جدّ الجِدّ , نحن الباقون على أرضه , وما أنتم إلا زبد البحر أو فقاعات ماء لا بد أن تزول , أنتم بمجرد هزة بسيطة سترحّلون أبناءكم تسبقهم أموالكم إلى الخارج ثم تلحقون بهم . والحق لا بد أن يُحق وإن طال الزمن 

         أيها المبطلون :  لماذا تجعلون حياتنا ضنكا نكِدة , فيتسلل الياس إلى قلوبنا شيئا فشيئا , ليُجبَر الشباب على الرحيل والبحث عن فرصة عمل في ديار غربة , بعيدا عن سياطكم الطويلة  , لمصلحة من تسلب كرامة المواطن عند مقابلة مسؤول في دائرة لإتمام معاملة ؟ هل سمعتم عن رجل قتل أفراد أسرته للتخلص من طلباتهم ثم قتل نفسه بعدهم ؟ هل سمعتم أو ما سمعتم عن أناس يرتادون الحاويات في ساعات متأخرة من الليل بحثا عن بقايا طعام شبعت عنه كلابكم ؟ هل سمعتم عن متعهدي مكبات النفايات الذين يجمعون مخلفات المطاعم والفنادق ليبيعوها للبؤساء والمساكين ؟ انزلوا من أبراجكم وقصوركم وتخلو عن حرّاسكم , انزلوا إلى الأسواق الشعبية ولا تتأففوا , وراقبوا ما يدور فيها لتعلموا حجم الجرم الذي اقترفتموه بحق كل بائس معترّ يعيش على أرض الوطن .طابت أوقاتكم .


عن الكاتب

قادح زناد الحروف

التعليقات

طباعة ونشر وتوزيع ، ظهور إعلامي ، ورش أدبية
اشترك بالعدد الجديد من مجلة القلم الورقية للتواصل والاستعلام / 0020102376153 واتساب

اتصل بنا 00201023576153 واتساب

شاركونا الإبداع

جميع الحقوق محفوظة

دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع