الحلقة الأولى
ـــــــــــــــ
القصة القصيرة
ــــــــــــــــــــــــ
مقدمة:
فنٌ أدبي لم يتداوله الأجداد قديماً كما هو في الوقت الحاضر، بل عرفوا صورا عديدةً للفن القصصي كالملحمةِ، فلم تسجل القصة القصيرة حضورا ملموساً ألّا مع ظهور الصحافة.
يتراوح عدد صفحاتها من ٣ _ ٣٠صفحةً.
تعتبر القصة القصيرة من أقربِ الفنون الأدبية تماشياً وروح العصر، ومن ثم انتقلت من التعميم كما في القصص الطوال، إلى التخصيص، حيث تكتفي القصة القصيرة بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد، او زاوية واحدة من زوايا الشخصية الإنسانية، وذلك بشكل رمزي أو خَيـــــــــــــالي انزياحـــــــــــي سحري، وبِإيجاز لكلمات منتخبة تؤدي لكشف حقيقةً ما، أو لتصوير رأي معيّن، او لنقل انطباع خاص حول موضوع بذاته.
تتناول القصة القصيرة قطّاعا عَرَضِيّاً من الحياة، وتدخل نظريّات الأدب ومذاهبِهِ من ابوابه الواسعة، لذلك هي الآن الأكثر ملائمةً للعصر الحديث، والمسمى بعصر التكنولوجيا والسرعة.
تختلف القصة القصيرة عن الرواية، من حيث أن الرواية تتناول قطّاعا طوليّا من الحياة زمكانياً، وهي اقرب للتوغل في أبعاد النفس، وليست كالرواية التي تتوغل في ابعاد الزمان والمكان، ولكن ذلك لايعني اطلاقا أنّ القصة القصيرة لاتتضمن او لاتحتوي على زمكانية.
عناصر القصة القصيرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اولاً: البِناء الفنّي
ــــــــــــــــــــ
١.الموضوع او الفِكرة
ــــــــــــــــــــــــــــ
ونعني بذلك الهدف أو العِبرة التي من اجلها كُتِبت القصة، كدرس ارادنا كاتبها ان نتعلّمهُ من وراء تلك القصة، لذلك وجب الغوص في تفاصيلها وفي العلاقة بين شخوصها لاستشفاف الأفكار والآراء والأحداث الواردة في القصة.
٢.الحَدَث
ـــــــــــ
ونقصد به الموضوع العام او الحادثة او المناسبة او الموقف.. مرتباً بشكل مُحكم وفق وقائع وافعال تفيد حضور الشخصية، وذلك من خلال الصراع الدرامي بينها مع شخصيات القصة وكيف القت بظلالها على الشخصيات سلبا او إيجابا كردة فعل، لأن اغلب الوقائع تدور في محور تلك الشخصيات، فالكاتب حين يرسم شخصياته وهي ترى الحدث وتتعامل معه، وقد يكون ممثلا بــ(الأنا)، او يأتي الحدث عن لسان الراوي الذي يمكن له تقديم معلومات بهيئتها الكُليّة، او بصورة مُجزّئة، وربما يكون الحوار القائم بين الشخصيات هو الذي يوضح مكان وزمان الحَدث.
٣.الحِبكـــــــــــة
ـــــــــــــــــــــــ
مُلخّص إخباري سريع لموقف ما، محدد مكانا وزماناً، وتكون هي وحدتها ومعيارها، وإنّ سؤال التلقي/القارئ عن اهم الحوادث المُشكِّلة للحِبكةِ هو مَن يُبيِّن الصراع الدرامي بين الشخصيات.
٤.الشخوص
ــــــــــــــ
عادة ماتكون الشخصيات في العمل القصصي موجودة حقيقةً في الواقع المُعاش، فيقوم الكاتب بعرضها بشكل واضح، تَبعاً لأبعاد معينة سنذكرها لاحقاً.
٥.العُقدة
ــــــــــ
النقطة التي تقرر تغيير التحوّل في الصراع الدرامي باتّجاه الحلـــــ...
٦.الحَل
ـــــــــــ
الإنطلاق من العُقدة لحل المشكلة، حتّى بلوغ نهاية المطاف.
٧.النهاية
ــــــــــــ
هي النقطة التي ينتهي عندها الحدث وتأثيراته، فَرَحاً او حُزناً.
ثانِيــاً: البناء الجمالي
ــــــــــــــــــــــــ
بعد ان تكلمنا عن البناء الفني، نتطرق لجانب يوزايه في الأهمية.. وهو البناء الجمالي، والسبب، ان الادب بكل فنونه هو وسيلة من وسائل التعبير عن الجمال بما يتضمنه من سمو في التفكير وعمق في الفكرة ورقة في العاطفة بما يلقي بظلال المتعة لدى التلقي ويخرج بصيد جمالي وتعبيري ثمين.
ولكي نضمن البناء الجمالي، لابد من ملاحظة النقاط التالية:
١.الأسلوب
ــــــــــــ
للأسلوب في القصة القصيرة دور مهم في اختصار الكثير من الترهل الذي يجعل السرد يستطيل دون جدوى اضافية، لذلك فن انتقاء المفردات التي تكتب بجمل مقتضبة قادرة على ايصال المعنى المطلوب، هو السبيل الناجح والمُعزِّز للمضمون، وقد يستخدم الكاتب عدة اساليب بلاغية لبيان الغاية ومايريد ايصاله للتلقي.
٢.الحوار
ــــــــــ
الحوار بين الشخصيات مرآة التفاعل مع حدث بذاته، لذلك فالكاتب الذكي عليه ان يجعل الحوار في جوهر الحدث ولايتطرق لأمور لاعلاقة لها بالحدث والشخصيات لامن قريب ولامن بعيد، وكذلك ان يجعل من الحوار مؤديا لمفاتيح يحتاجها مع تواصل السرد باتجاه حل العقدة، سلبا او ايجابا.
٣.الصور البلاغية
ــــــــــــــــــــ
للصور البلاغية اهمية قصوى في التأثير على احاسيس التلقي وأثارة المشاعر وتحفيز الذات لرؤية الحدث والشخصيات عبر صور اعدت بإتقان وهي ترافق السرد كموسيقى تصويرية تزيد من وتيرة التفاعل الحي.
٤.السرد
ــــــــــــ
يقع السرد بين طرفين، السارد والمسرود لهم.. والسارد يتمثل بالشخصيات والأشياء، حيث تختفي الأنا تحت عباءة هؤلاء، واحيانا من خلال الرمز الذي انتقاه الكاتب، وكما قلنا، لابد للسرد ان يتضمن ايحاءات تدغدغ المشاعر وتثير عنصر التشويق وان لايخلو من الصور البلاغية والجمالية، كذلك الإلتزام بالاقتضاب وعدم الإسهاب كي لاتفقد القصة بناءها الجمالي وهوية جنسها الأدبي.
٥.الشخصيات
ــــــــــــــــ
على الكاتب هندسة شكل وجوهر الشخصيات بما ينسجم ومعايير القصة القصيرة، على خِلاف شخصيات الرواية والملحمة، بمعنى انه يبني شخصياته وفق مايرشحه الحدث ومايلقيه من ظلال في بيئة محددة وزمن محدد.
كذلك عليه ان يجعل من بين الشخصيات شخصية محورية لها او عليها تبيان التفاصيل وماآلت إليه من نتائج وكيفية تعاملها مع الشخصيات المحايثة.
تحياتي ومحبتي وتقديري وامتناني.
حسين عوفي البابلي
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة