مفتاح البيت ..ذلك الكائن الذي يظهر في بعض الأحيان .. ويختفي في البعض الآخر .. لم نكن نهتم به ، أن وجدناه في غير أوقات الحاجة إليه .. لذلك كنا نراه ينام على كنبة البيت ، أو يندس بين ملابسنا .. كنا نلمسه .. ونربت علي فروته .. فنشعر به ينتفض بين أيدينا .. نحركه ذات اليمين وذات الشمال .. فنراه يضحك من الفرحة ..كان الاحتفاظ به مشكلة كبيرة .. لذلك علقته زوجتي بجانب الباب ، قبل أن تموت ..كنا نجده باستمرار .. عندما كانت رائحة زوجتي تملا المكان ، تفرض وجودها .. تتمدد وتحيط بناء .. كانت أشبه برائحة البرتقال مخلوطة براحة التمر حنة .. يد زوجتي تعبث في أرجاء البيت .. وتعيد ترتيب المكان ، كما يحلو لها .. هي وحدها تعرف أماكن الأشياء .. لم أهتم لذلك .. ولا بفروه المفتاح .. والتي صنعتها على عجل .. فتركت خيط طويل يسير كذيل فأر .. كانت ألوان ألفروه مختلفة عن ألوان ملابسنا .. لذلك ذهبت زوجتي إلي جارتنا الصغيرة .. لكي تختار لها ألوان ألفروه .. فقط كانت تعتقد أن لكل بيت ألوانه ، التي تختلف عن ألوان كل الناس .. كانت تقول إن الألوان هي التي تختارنا .. ونعيش فيها .. إنها ألوان لا تتغير مهما طال الزمان .. لذلك كانت تقول دائما : انه عندما يتزوج الإنسان يختار بجانب أشياء كثيرة يختار ألوان الحياة ، التي تنتج من عالم غيبي يحدده الزوج والزوجة .. كما هي رائحة البيت ، حيث لكل بيت رائحة مميزة .. تختلف من بيت إلي بيت .. من حارة إلى شارع ، إلى مدينة .. كانت تقول أن رائحة بيتنا مصنوعة من القرنفل وقشر البرتقال .. إنها رائحة مختلف .. تشمها الملائكة كل مساء .. لذلك لا يستطيع أحد مهما أوتي من قوة إن يسلبنا رائحتنا أو ألواننا .
ساءلت الأولاد عن رائحة المكان بعد أن رحلة زوجتي .. لكنهم كانوا يشيرون لي بإشارات مختلف .. لم أفهم منها شيء .. هم لا يرفعون أعينوهم عن أجهزة المحمول .
حدث أن سمعت في أحد الأيام .. صوت خطوات على أرضية الحجرات .. انتبهت وكاد قلبي من الفرحة .. يسقط بكوب الحليب بجانبي .. في العادة كنت أراه يظهر لي .. يسقط سقوط مدوي على البلاطات .. ويتحرك حركة عشوائية .. فأراه وأقبض عليه .. وأفرح به .. لكن الخطوات بدأت تبتعد رويدا رويدا .. هربت الفرحة الزائفة .. وأصبحت الخيبة أكثر وضوحا ..لذلك صرخت .. كنت واقفا في وسط البيت ، وصرخت .. أنتبه الأولاد وتركوا ما كانوا يفعلونه .. تحسست تجاعيد وجهي فتبنيت أني كبرت .. راحت أعد عدد الأيام التي غبت فيها عن واقعي .. أنسل الأولاد من حجرات البيت ، تجمعوا حولي .. أدركت أن الولد الأوسط يرتدى نظارتي القديمة .. والتي جاهدت طويلا للحصول عليها .. كنت مجهد وأحس بتعب يركن جسده على جسدي .. تطلعت إلى البنت والتي ظهرت عليها علامات الأنوثة .. التي لم أرها من قبل .. لكن الشيء الغريب أن بطنها كانت مرتفعة .. هل أتراجع وأغلق ملامحي ، وأنظر إلى الأرض .. وأتمتم بأنه لم يحدث شيء .. وأنها صرخة خرجت دون إرادة مني ..أم أقف وأشاهدهم بعد أن تغيرت ملامحهما .. وان القصير أصبح طويلا .. والبنت أصبحت أنثي ، وبطنها ارتفعت على غير العادة .. والسؤال متى حدث ذلك ؟ وأين كنت ؟ أحسست أنهم يحاولون محاصرتي ، كانوا يتفحصون وجهي ليشاهدوا أثر تلك الصرخة – قلت بصوت محتقن : أين مفتاح البيت ؟
نظر الأول إلى الأخير ولو بوزه ، ولم يهتم
- قلت لهم إذا لم أجد المفتاح سوف أفصل ألنت .
انتبهوا جمعيا .. وأدركوا أنهم أمام حدث كبير ..حدقوا بدهشة .. أدركوا أنني لا أمزح .. وإنني في المرة السابقة قمت بفصل ألنت ثلاثة أيام كاملة .. حداد على وفاة زوجتي .. لذلك بدوا رحلة البحث الأولى .. هي البداية ولكل بداية بداية ..نظروا في رائحة الحجرات .. وتبينوا أنها رائحة الهواء المحبوس ، حين يدركه العفن .. الرائحة تنتشر من تحت الحوائط إلي عتبة الجنبات الضيقة .. إنها المناطق التي لا تجرؤ الشمس من الاقتراب منها .. تسربت الرائحة إلى شقوق الجدران ، بين الطلاء المتساقط .. والرسوم القديمة ، وبقايا خربشات زوجتي .. كانت الرائحة تنام على أطر الصور القديمة .. حيث تبدو زوجتي وهي تبتسم .. ابتسامتها الحلوى .. بينما رائحة هشة تفوح من قوارير عطر فارغة .. وبقايا الحنين لقطع القماش والملابس المتناثرة في كل مكان بالحجرات .
كانوا ينتشرون في حركات سريعة يبحثون هنا وهناك .. وفي سرعتهم اكتشفوا أنهم لا يعرفون لحظات كثيرة مرت عليهم .. لحظات وصور كونت تاريخ مشترك .. لعائلة تحلم بواقع حقيقي .. ينتظره الغياب .. عائلة تركت الوقت للإهمال .. يسري بين ...........
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة