دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة

قصة " رفاق الدرب " للقاص المصري / محمد كامل



وها نحن نقترب من ختام فعالية مسابقتنا للقصة القصيرة ( دورة عبد العال الشربيني ) نضع بين أيديكم قراءة مهداة من الأديب محمد الينا للقصة الحائزة على المركز العاشر 

قصة " رفاق الدرب "

للقاص المصري / محمد كامل 

.......................

القصة

رفاق الدرب

اضطرتني ظروف الحياة القاسية أن أستوطن هذا المكان، بين بقايا حياة ذابلة وأرواح هائمة تبحث عن مستقر لها، تسللت في جنح الليل، أعددت إقامتي البسيطة مما تبقي لي من أثاث متهالك، أرغمت نفسي على البقاء وأنا أعاهدها على العودة القريبة، ضاقت الحياة بما رحبت أمامي، تراكمت الديون فأرّقت ليلي، لم أكن الوحيد الذي يقتحم هذا السكون الأبدي، سبقني الكثير والكثير ممن طرقوا الأبواب التي لا توصد أبدًا في وجه أحد.

صارت الحياة والعدم سواء، ألملم بقايا نفسٍ متهلهلة وروحٍ كسيرة، أغلق الباب لأواجه وحيدًا الخوف الذي صار يلازمني، أقلب دفاتر الماضي بتفاصيلها ودفئها، أعود صبيًا يلهو وحوله الأحباب. 

احتضن الوالد الذي سقط في غفلة، أستعيد الحياة في أحلامه المفقودة، أستند إلى ذاك الجبل الذي حملني صغيرًا بين ذراعيه، أمضي في دروب غابت عنها الحياة، ولكنها متجسدةٌ في ذاكرتي. 

ببطء تمر الساعات، وفي ليلتي الثانية أتى بعض الزائرين لمسكني الجديد، وجوهٌ كأنها عائدةٌ من زمنٍ بعيدٍ مضى، نظراتهم تتعقّبني، ترحيبهم بقدومي يفوق تصوًراتي، نشأت بيننا علاقات صداقة متينة، استمرّت زياراتهم لشهور متتالية، أحاطوني بالدفء الذي لم أعهده من قبل، بثت قلوبهم الطمأنينة لروحي، شاركتهم حياتي الجديدة؛ متخففًا بهم من هذه التلال الكئيبة التي تجثم على صدري، بصفاءٍ يسردون حكمتهم وأصغي لهم، تتسع صدورهم لما يجيش بداخلي. 

علي قبر والدي وقفت متألمًا لفراقه، جالت بخاطري كلماته الرصينة، مازالت حكمته تنفذ إلى مهجتي، حولي أرواحهم التي لم تفارقني ليلة واحدة، تسري ابتساماتهم فتهوّن وحدتي، عانقتهم ورجوتهم ألا يفارقوني، فالحياة باتت بينهم أكثر أمانا، قبل أن أنصرف لمحتهم يتسللون إلى داخل القبور المحيطة، ينفذون رغم وجود الأقفال والأسوار، حاولت اللحاق بهم، ولكنهم غابوا عن المشهد تمامًا، وتلاشت صورهم، جمعت ما تبقي داخلي من قوة، وفي هدوء تخيرت أحد القبور ورقدت.

...............

القراءة

وها هو نصٌ غرائبي آخر بين يدينا، ساقته القائمة الماسية ليحتل فيها المركز العاشر، وليسوقنا الكاتب المبدع معه في نزهة عجائبية هو مرشدنا ونحن تابعوه عن طيب خاطر، متشوقين متلهفين إلى نقطة النهاية، نتساءل طوال مدة الرحلة إلام سينتهي به تطوافه بنا..هو الميت ونحن الأحياء أم هو الحي ونحن المنومون ولا ندري، مصداقًا لحديث نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ( العبد لله أحدهم ولا فخر)، إذ يقول في حديثه الشريف " الناس نيام فإذا ما ماتوا انتبهوا"

من الميت إذًا ومن الحي؟

اتساقًا مع السرد سنمضي في نزهتنا، فبطل أقصوصتنا ميت، وحوله ميتون..يتزاورون ويتسامرون، تؤمهم المحبة بلا حسد بلا حقد بلا صراعات فانية، وآنى لهم التصارع، وقد تركوا الدنيا خلفهم! بما حفلت وبما حملت..لا وجع اليوم ولا ألم، لا بغيضة تؤزهم ولا تحاسد، كل منهم يأنس لبقاياه ودونها جسد فان، الجسد يفنى والروح تبقى في عالم الذر، وتطوف في فضاءات البرزخ تتهيأ ليومٍ موعود..أما جنة وأما نار..انتظار نراه طويلا، ولا يكاد يتجاوز يومًا أو بعض يوم.

هو نزهة إذًا!.. واستراحة من هم الدنيا وما فيها، هو لقاء لأحباب فارقونا، وسبقونا إليها، مترفعين زاهدين في مباهج الدنيا وفتنتها، فالدنيا عندهم الآن يقينًا لا تساوي جناح بعوضة، مهما طال مكوثهم فيها؛ غادروها أخيرًا، فبدت لهم حياتهم السابقة نقطة في محيط، وأعمالهم طي صفحة كتاب، ما أخذوا معهم مالًا اكتنزوه، ولا زوجًا أكرموه، ولا ولدا..روح فقط، فما أحلاها!، وما أروعنا نحن المتنزهون على ضفاف القصة إن وعينا الدرس الذي ساقته إلينا، وقد أورده الكاتب عرضًا في جملة واحدة(ألملم بقايا نفس متهلهلة، وروح كسيرة)، جملة واحدة علت وتجبرت ونتأت فأوعزت، أوعزت فوعظت، ووعظت فحذرت وأنذرت..هذا يومكم الذي توعدون.

نص أجاد فيه الكاتب التدفق السردي بعفوية متعمدة، ولم لا ؟ والفضاء فضاء أموات، والأبطال موتى، والأماكن قبور، والزمن توقف..توقف تماما تماما في انتظار بعث جديد وقيامة.

خالص تهانيا للكاتب المجتهد وننتظر بشغف المزيد المزيد.

محمد البنا...القاهرة في ٢ أكتوبر ٢٠٢٢


عن الكاتب

قادح زناد الحروف

التعليقات

طباعة ونشر وتوزيع ، ظهور إعلامي ، ورش أدبية
اشترك بالعدد الجديد من مجلة القلم الورقية للتواصل والاستعلام / 0020102376153 واتساب

اتصل بنا 00201023576153 واتساب

شاركونا الإبداع

جميع الحقوق محفوظة

دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع