بالرغم من أن كمال لم ينم في الليلة الماضية، إلا أنه لم يكن يشعر بأي رغبة في النوم .
فلقد قلبت منى حياته رأسا على عقب ؛لم يعد كمال يفكر بإنهاء حياته ،
لقد أصبح يحب كل شيء حوله ،وإزداد حبه لباتريك ولعادل ولكل من يراه أمامه،أراد أن يضم ويقبل كل من يراه أمامه.
لم يدخل إلى الحمام كعادته ليأخذ شور بل أخرج أجمل ثيابه من خزانته وإرتداها،ووضع في محفظتة نقودا كافية وتوجه إلى أقرب صائغا وإختار أجمل خاتما "ذبلة "كذلك عقدا جميلا وكان يتخيل نفسه وهو يضع الخاتم في أصبعها ،ويضع العقد حول عنقها ويقبلها ومن ثم يحتضنها ويستمر العناق دون إنفكاك.
إنتظر حتى المساء وعندما إقترب موعده معها بينما تمر الدقائق كساعات بطيئة جدا،
خرج قبل الموعد بساعة وكان قلبه يخفق خفقات سريعة ،ويشعر كما وأنه محلقا في السماء .
وصل إلى بوابة المتنزه ..كان بعض رجال الشرطة يقفون على البوابة ،وبعض التجمعات هنا وهناك ..عندما أراد الدخول إعترضه أحد رجال الشرطة وكان ضخما جدا، ذو نظرات حادة ،كانت نظراته القاسية توحيان بأن الرحمة منزوعة من قلبه تماما.
سأله:
-ماذا تريد؟
-أريد الدخول إلى المتنزه.
هنا دفعه الشرطي إلى الوراء وقال آمرا:
-إذهب من هنا ،هيا؟
غادر كمال خائبا ..يائسا ..عاد بخطوات متعثرة ..مترددة ،حاول الاتصال عليها ..لكن هاتفها كان مغلقا ..جلس على الكنبة..وبقي هاتفه بيده على أمل أن تفتحه منى وتتصل عليه ..بقي حتى ذهب في نوم عميق ليصحو على صوت المنبه .
* * * * * * * * * * *
إنتهت إستراحة كمال ..خرج متوجها إلى عمله في الصباح الباكر ليبدأ يوما جديدا مدته أربع وعشرون ساعة.
بالرغم من قلقه وتوتره إلا أنه قام في عمله على أكمل وجه ،قام بتنظيف الساحة الخارجية للمدرسة، والغرف الصفية ودورات المياه حتى حضر المدير ،أعد له فنجان القهوة ،تحدث المدير إليه بطريقة تبديه كما وأنه وزيرا مقالا من منصبه:
-أنا اعتبارا من ذلك اليوم سوف أغادر مركز عملي هذا لأنقل إلى قسم الإشراف في الوزارة بعد كل ماحققته هنا
من إنجازات خلال سنوات خدمتي ،لكن الرجل المناسب في المكان المناسب؟
-الله يعطيك العافية .
-طبعا أنا كما تعلم كنت قريبا من الجميع وذلك يعود لتواضعي،قل لي هل أسأت إليك يوما ...صراحتا ؟
-..في الواقع...لا ..لم تسيء.
لاضير من نفاق سريع خفيف،سريع طالما أنه بلا مصلحة تعود إليه،تابع المدير:
-لكن عرفت أن الرجل الذي سيتسلم إدارة تلك المدرسة سيء السمعة ..يصعب التعامل معه ..عصبي المزاج ..بلطجيا ،وهو سيكون رئيسك الجديد؟
-ماعلينا سوى القيام بعملنا بشكل جيد.
خرج المدير بجولة إلى الغرف الصفية، وعاد بعد ذلك يشتم ويلعن ،نظر إلى كمال وقال له:
-حسبي الله ونعم الوكيل، أرأيت مافعل الملاعين،لقد قاموا بحرق لحية المعلم؟
-ياإللهي، وكيف حدث ذلك.
-وهل يوجد ماهو صعب عليهم ،هؤلاء أولاد ملاعين ،ربما أحدهم ثبت يديه من الخلف وآخر أشعل الولاعة وضعها على لحيته؟
يقطع حديثهما دخول رجل بلباسه الرسمي ويبدو أنه مسؤول ،سأل:
-أين المدير؟
أجاب المدير :
-أنا تفضل.
جلس الرجل ثم سأله المدير:
-تفضل أي خدمة؟
قال الرجل وهو يبدو كما وأنه يريد الشجار:
-أنا ولي أمر الطالب صخر؟
-آه..نعم صخر..لقد طلبناك عدة مرات لأمور تتعلق بولدك صخر؟
-أنا لدي مشاغل كثيرة ولا أهتم لتلك التفاهات.
-تفاهات؟
-نعم تفاهات ،هيا أخبرني بسرعة ماذا فعل إبني ،أو بالأحرى بماذا تتهمونه.
-إبنك غير مؤدب؟
-إحترم نفسك ،أنا لاأسمح لك .
-تسمح أو لاتسمح هذه هي الحقيقة؟
-أحذرك بأن تلزم حدودك ،إبني مؤدب وأنا الذي قمت بتربيته على الفضيلة.
-ابنك يدخن ،وهذه السجائر وجدت في جيوب سترته، وهذه إحدى أفعاله الكثيرة والتي لاتعد؟
-أنتم تتآمرون على إبني ..أنتم حثالة.
-إلزم حدودك أنت في دائرة حكومية ؟
نهض الرجل بعد أن شتم المدير والمدرسة والوزارة ،وقبل أن يستدير خارجا قال مهددا:
-أنت لا تعلم من ورائي ،ولاتعلم ماذا أستطيع أن أفعل ،لكني سوف أعتبر نفسي لم اسمع شيئا وما عليك سوى عدم تكرار ذلك ،أفهمت.
ثم غادر ،لكن كمال رأى القلق والخوف باديان على وجه المدير فهز رأسه بأسف شديد على ماوصل إليه الحال.
ماأن خرج الرجل حتى دخل بعده رجلا أخر ،دخل دخولا مهيبا ..واثقا ،وقد تذكره كمال على الفور ،لقد رآه من إحدى النوافذ الليلة الماضية فشعر بالاشمئزاز عند رؤيته ،وبالرغم من ذلك نظر الرجل إليه بقرف لمجرد أنه آذن .
بعد مغادرته دخل أحد الطلاب دون أن يستأذن بالدخول ،وكان في منتهى الوقاحة ،وقبل أن يتكلم قال له المدير بغضب:
-كيف تدخل دون إستئذان ؟
رد الطالب بوقاحة:
-يارجل أن مدرستك فوضى مابعدها فوضى وتطلب مني أنا أن أستأذن، عليك بضبط المدرسة أولا إن إستطعت.
-أنت وقح ..أخرج وفي الغد لاتحضر إلا وبرفقتك ولي أمرك؟
قام الطالب بدفع المدير وكاد أن يوقعه أرضا وأراد أن ينهال عليه بالضرب لولا أنه رأى كمال الذي كان يفوقه قوة يستعد للتدخل.
* * * * * * * * * * * * *
في فترة الظهيرة يطلب المدير منه إعداد فنجانين قهوة حيث أن المدير الجديد قد وصل لأستلام إدارة المدرسة.
دخل كمال لأعداد فناجين القهوة ..سمع صوت المدير الجديد عندما دخل إلى الإدارة وكان كمال قد عرفه من صوته.
عندما دخل كمال بفناجين القهوة تفاجأ بأن المدير هو صديقه عبد الحميد الذي كان يعمل معه في التنقيب عن الآثار ،كذلك هو بطل في المصارعة والملاكمة وله معارف كثر ولنقل بعض النفوذ أيضا.
وكانت تربطهما معا علاقة صداقة متينة ،أهتزت الصينية في يده عندما رأى عبد الحميد استاذه الكبير يقف له احتراما ،قال عبد الحميد:
-كمال ..غير معقول ،ماذا تفعل هنا؟
أجاب كمال بأسف:
-أنه حظي العاثر.
-ضع الصينية من يدك ،ضعها؟
عندما وضع الصينية قام عبد عبد الحميد على الفور بمعانقته بحب ومودة ،وهنا قال المدير السابق:
-أتعرفان بعضكما؟
رد عبد الحميد:
-يارجل ومن لايعرف ، كمال أنه من خيرة الشباب ،كمال شاب عظيم.
رد كمال بتواضع:
-بل أنت العظيم أستاذي وأخي ؟
-تعال وإجلس هنا إلى جانبي .
وكانت خيبة أمل كبيرة لذلك المدير المنافق الذي وصفه أوصافا غير موجودة به.
* * * * * * * * * * *
بعد مغادرة المدير السابق جلسا وتحدثا بأمور كثيرة،بدأها عبد الحميد بالسؤال عن أحوال كمال وأخيرا سأله بثقة كبيرة عن أوضاع تلك المدرسة وهل هي كما سمع عنها،
قال كمال:
-كما سمعت عنها ،بل وأسوء بكثير ؟
قال عبد الحميد بثقة كبيرة:
-ولهذا قبلت بها.
-أذن أنت الحجاج الجديد؟
-وأشد بإذن الله.
-قواك الله ؟
-سنتحدث كثيرا بأمر المدرسة لأنك ستكون ذراعي الايمن في مسيرة الإصلاح ،والآآآن لنبدأ العمل.
* * * * * * * * * *
بعد مغادرة جميع الطلاب طلب المدير من كمال جمع الأذنة لاجتماع عاجل ،أعطى من خلاله تعليماته التي لم يرتح لها أي منهم فطلب من كبيرهم تقديم طلب التقاعد ليرفعه له لأنه لم يعد يصلح للعمل.
غادر الأذنة ..أعد كمال الشاي وجلسا يتحدثان ،قال عبد الحميد :
-الأن إنتهينا من أمر الأذنة، بماذا نبدأ ؟
أجاب كمال وبحسب خبرته:
-بما أنك كلفت بدخول المستنقع، فستحاول أن تحوله إلى مياه نقية أولا.
-ماهي الطريقة الافضل بعد إعتياد الجميع على الفساد و"الفلتان"؟
-عليك برمجتهم من جديد ،الحزم مع المعلمين أولا وأخيرا ،تطبيق عقوبات رادعة دون أن تحسب أي حساب لمن ورائهم حتى لو تسبب ذلك بالاستغناء عن خدماتك.
-تمام؟
-لأنه إن صلح المربي والأب ،صلح الطالب .
-والأب .
-نعم إجراءات رادعة في حق الطالب "مين ماكان" ولي أمره؟
-تمام.
-إستبدال جميع الإداريين بآخرين ،المساعد ،السكرتير ،المرشد الاجتماعي ،أمين المكتبة،قيم المختبر ،الحاسوب بأسرع وقت؟
-وهو كذلك.
* * * * * * * * * * *
في المساء كان كمال يجلس في غرفته وهو يشعر بالارتياح للتطورات السريعة التي حدثت ،
وصل صديقه عادل ..عانقه كالعادة ..وبدلا من أن يقبله بينما كان يلصق فمه بأذنه همس معاتبا :
-لم تعجبني أفعالك اليوم ياصديقي؟
فهم كمال على الفور ماذا يقصد ،لكن لم يجب ،فتابع عادل :
-ماذا كان إتفاقنا عندما إلتقينا أول مرة،وعلى ماذا كان العهد بيننا؟
-...............
-أرجو أن تتراجع عن ذلك كي لاتهدم مابنيناه، لأن ذلك أمرا خطيرا ؟
-لكن.
-عبد الحميد لن يبقى طويلا ،أتفهم ،لن يبقى طويلا ؟
-...............
-تعلم أن تقيس خطواتك قبل أن تخطوها، ياصديقي؟
-................
-وتعلم أن تقيس العمق قبل أن تغطس ؟
-................
قبله قبلة واحدة لكن طويلة على وجنته،قبلة تمثيلية كاد أن يمتص دماء وجنته،ثم إبتعد وقبل أن يستدير قال كما وأنه تذكر شيئا :
-نسيت أن أخبرك ،أتعرف ماذا حدث لتلك المومسة التي شاركتك الفراش تلك الليلة؟
أجاب كمال بغضب :
-أرجوك ،هي لم تعد مومسة.
-ههههههههه ههههههههه ؟
-.................
-جميل جدا ياصديقي إذن هذا هو أول طريقك إلى إصلاح الآخرين؟
-لماذا لا نكون أفضل طالما أننا نستطيع.
-نحم هكذا أفضل ،ولولا ذلك لما إستطعت الصمود يوما واحدا هنا ياصديقي؟
-لكن منى......
-هههههههه وبت تعرف أسمها أيضا ،عموما لقد تم العثور عليها مقتولة في المتنزه مساء البارحة هههههه أخيرا عثر عليها والدها الفلاح ونال منها.
(يتبع...)
تيسيرمغاصبه
٦-١٢-٢٠٢٢
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة