دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة

حسين خلف موسى يرصد : ▪الرحيل


|||

ذهبت بعيداً، غيبها الموت دون أن أودعها، دون أن أقول لها كلمة واحدة، عاشت متلهفة لسماعها.

ذهبت دون استئذان، لم تخبرني بموعد ذهابها كما كانت تفعل سابقاً، الأمر كان مختلفاً هذه المرة، فالموت يأتي دون سابق انذار، يقرع الأجساد فتستجيب له الأرواح ونذهب معه وحيدين الى لا رجعة. 

بكيت علّ دموعي تشفع لقساوتي عليها فتعود، علّ توسلاتي تغفر لي أخطائي السابقة في حقها فتحِنُ وتأتي، لكن بلا جدوى. 

طلبت من ربي أن يُرجعها إلي لكي أقول لها كل ما أخفيتها عنها وكل الذي تنكرت منها، كنت أريد أن أعترف لها بأني ضعيف من دونها، وبأنها قوتي وصلابتي وسعادتي.

لكن الحقيقة المُرة صفعت أمنياتي، فالأشخاص يجيئون الى هذه الحياة لمرة واحدة وإذا ما رحلوا لن يعودوا. 

تمنيتُ لو أطلقت العنان لكلماتي وخاطبتها قبل أن تتركني وترحل، تمنيتُ لو فككت القيود عن قلبي وجعلته حراً لأجلهِا فقط، ولكن عند الغياب كل الأمنيات تصبح مستحيلة. لا كلمة، ولا دمعة، ولا لهفة تشفع حينها.

عُدت الى الواقع وأيقنت بأن كل ما حدث

مسحتُ دموعي ونهضتُ مسرعا، الى اوراقي استرجع منها الذكريات، فوجدتُ الرسالة الأحبَ إلى قلبي اشتقت إليك ، لقد كانت السباقة دائما بالأمور الجميلة.. 

فاكتفيت بقول  (وأنا أيضا) كعادتي ، وأنا الذي كُنت متلهفا لإخبارها بجُملة اخرى وهي (أنا أُحبك)، ولكن لساني أبى أن يُطلقها وكأنه يلزمني الاف الكلمات حتى أتعلم صعوبة الفُقد وسرعته.

فقد كنت أخالُ بأني أملِك قلباً صلباً لا يهزهُ حباً ولا يتأثر بعواصفِ العشقِ. كنتُ قد وصلتُ إلى مرحلةِ اللاشعورِ التام، إلى البرودِ، أو ربما الاستسلام الى فكرةِ الماضي يذهب وبكرة احلى قد أوجدها الله في روحي. ولكن لحظة تمرُ في حياةِ الفرد تنسفُ كل ما يظن أنّه متأصل فيه على مر السنين. 

كيف لإنسانٍ ان يتغير ويلين بهذه السهولة؟ كيف يمكنه أن يصرف النظر عن أمور وأطباع كانت قد رسمت شخصيته وحددت معالمها.

إنه الحب، مُغير النفوس، مُبدل الأحوال، مُلين القلوب.

شرعت بالحديث معها وكأنه لم يحصل شيء البتة، وكأني لم استيقظ اليوم من عِراك مع كوابيس قبيحة تُرهق النفس محورها هي، لا أحد سِواها. 

ما أصعب أن ندّعي ما لا نحن عليه، أن نتصرف بطريقةٍ طبيعيةٍ لا تعكس حالتنا النفسية، أن نقول ما لا نقصد ونبوح بما لا نشعر، ولكن في الداخل قلب يغلي كفوهة بركانٍ قد كان خامداً لسنوات طِوال.

إنّها اللحظة التي تتأرجح فيها النفس بين أن تقول الحقيقة او لا تقولها، فكيف لي أن أخبرها بأني أخاف عليها كما تخاف الأم على صغيرها، كيف لي أن أقول لها بأن لا تصدقني إن قلت أن أمرها لا يهمني؟ كيف لي أن أخبرها بأنّ الفقد يكوي فؤادي ؟ 

لا أعلم لماذا، وكأن قلبي مُحاطاً بسياجٍ حديدي لا يسمح لأي إنسان بدخوله، يأبى أن يعترف، فكل فيض كلمات اللغة والتعابير لا تعزي نفساً تعيش حالة نكران دائمة. فقلبي يخونني قبل أن تخونني كلماتي،

قلبي يُحبها، يهيمُ بها، ومع هذا كله كنت عندما أريدُ أن اعترفَ لها تخدعني أحاسيسي، تتركني في مهبِ الريحِ تائها، وكأني مِلكٌ لقلبي لا قلبي مِلك لي.

كتبت لها ذات يوم: إذا متُ غداً أو ربما بعد غدٍ أو عند الأجل المسمى لي ولم نلتقِ، تذكري بأني تمنيتُ لقائك كثيراً، وودتُ وصلك دائماً .

تعجبت قليلاً، 

خاطبتني قائلة: هل تود الرحيل بهذه السرعة؟

أجبتها: لا أريد الرحيل، ولكن في نفس الوقت لا أُجيد الحضور. 

قالت: كفى هراء.

فقلت: في رحيلي ستتألمين وفي بقائي ستتأملين، في الحالة الأولى الجواب أصبح ملك يديك، ستُمضين من بعدها قدماً في هذه الحياة. أما في الحالة الثانية ستعيشين على أمل حصول شيء من الممكن أن لا يحصل.

كنتُ أحدثها بهذا وأنا أتمزق لا بل أتلاشى، هل أتخلى عن حبي لأني خائف، هل أتنكر من شعوري لأني لا أقوى على الاعتراف به؟  

وبالفعل هذا ما حصل... لقد تخليتُ عن كل شيء ورحلت. 

فالحبُ يحتاج الى قوة، إلى جرأة، إلى مواجهة.. وأنا كنت حينها لم أملك شيئا من هذا. 

وحبها كان كبيراً جدا، ليس له حدود معينة، حب لا يستحقه رجل ضعيف مثلي لا يمتلك جرأة الإعتراف.

فها أنا اليوم أجلس وحيدا، اكتب صفحة من مذكراتي الثمينة، اكتبها كما بدأتها بالحديث عنها.

هي لم تكن كغيرها ، كانت جوهرة نادرة، كانت النور في الليل المعتم، والبسمة لوجه شاحب، كان الحب الأول في حياتي.

قضيت حياتي من بعدها ، ومضت الايام متتالية، ولكني لستُ بنادم لأني أيقنتُ بأن رجل مثلي لا يستحقُ أن يحَب من امرأة مثلها. 

بالرغم من مرور السنين، لا زلت أراها في أحلامي.


عن الكاتب

قادح زناد الحروف

التعليقات

طباعة ونشر وتوزيع ، ظهور إعلامي ، ورش أدبية
اشترك بالعدد الجديد من مجلة القلم الورقية للتواصل والاستعلام / 0020102376153 واتساب

اتصل بنا 00201023576153 واتساب

شاركونا الإبداع

جميع الحقوق محفوظة

دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع