من العجائب التي تحدث للإنسان دون إرادة منه أو قرار هو النوم، وهناك تصورات وأقاويل وتفسيرات عن النوم، لكن حتى الآن لم نقف على حقيقة النوم وسره، لكن تارة تجد أن النوم كأنه مخلوق لكي يؤكد على عبودية الإنسان لله سبحانه وتعالى، فكأن الله خلقه فينا لنستسلم لله كل يوم شئنا أم أبينا،
دون حول لنا ولا قوة، ولا فرق فيه بين غني وفقير، ضعيف وقوي، فترى كأنه أشبه بعملية ضبط وإحضار يومي ومتابعة أمام الملك الجبار لتأكيد معنى العبودية وأن الإنسان مهما كان سيخضع لحالة السلب فيتجرد في حالة النوم عن كل ما يملكه ويدخل في مرحلة السكون والتفويض لله رغما عنه، وتارة تجد أن النوم هو الملاذ الآمن للهروب من كل معاناة الحياة، فكأن دخول الإنسان في حالة النوم هو عبور لعالم آخر يلوذ إليه بعيدا عن عالم المحسوسات الفعلي الذي يعاني فيه، لذا نجد أن الأحلام التي تراودنا أثناء النوم ما هي إلا الحقائق الدفينة المستترة بداخلنا ونتمناها ولا نستطيع البوح بها أو تحقيقها في عالم الواقع، فنجد أن حلمك هو التعبير الحقيقي عما يجيش في نفسك سواء شيء تتمناه أو شيء تخاف منه، فأحلامك هي الواقع الحقيقي بداخلك، وتارة تجد النوم كأنه تدريب يومي على حالة الموت الحقيقي الذي سينال الإنسان في نهاية حياته الدنيوية،
وتنبيه بأنه إذا نام فهو يترك كل شيء ويتجرد من كل ما يملك حتى إحساسه وإدراكه لكل ما حوله فهو موت مصغر لكن لمن يتعظ، ولكن الأعجب حتى الآن أنه لم يستطع أحد أن يدرك اللحظة الفاصلة بين حالتي اليقظة والنوم فالإنسان كل ما يقوم به أن يسلم نفسه ليس للنوم لكن للحالة والهيئة المادية للنوم، فنجد مثلا أنه يسترخي بحالة معينة مهيأ نفسه للدخول في النوم؛ لكن لم ولن يقف على اللحظة الفارقة بين الإدراك وبين الدخول في النوم، عجيب عجيب أمر النوم، نعيشه ولا نفكر فيه، فنجد أنفسنا فيه نمر مرور الكرام دون أدنى تفكير، مع العلم أنه من الأسرار الربانية التي لا يعلمها أحد، ولم يفسر شفرتها أحد رغم التفسيرات الطبية العلمية من حدوث كذا وكذا لكن النوم هو سلب الروح وهي تمثل عنصر الإدراك فكما الروح من أمر ربي لا يعلمها إلا هو؛ فكذلك النوم من تبعات الروح لا يعلم كنهه إلا الله، ولكن علينا في التعامل معه على أنه تدريب يومي على حالة التخلي عن الدنيا والخروج منها بلا شيء كما جئنا بلا شيء، فعلينا كلما نمنا ورزقنا الله نعمة الاستيقاظ واستعادة الإدراك أن ندرك أن علينا محاسبة أنفسنا في كل يقظة جديدة عما اقترفناه بعد النومة السابقة قبل أن تأتي النومة التي ليس بعدها استيقاظة في عالم الحياة البشرية وإنما استيقظ في العالم الأخروي الذي سنحاسب فيه حسابا فعليا عما عشناه.
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة