دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

رسائلي إلى الكتاب

طباعة ونشر وتوزيع ، ظهور إعلامي ، ورش أدبية

 الدكتورة صفية الودغيري كتبت في حلقة من رسائلي إلى الكُتَّاب:



#رسائلي_إلى_الكتاب

صفية الودغيري 


إذا كانت الرِّواية أو أيَّ إنتاجٍ أدبيٍّ وثقافيٍّ لا ينهض به شخص واحد هو الكاتب أو الرِّوائي، بل ينهض به عدَّة أشخاص ومجموعة أقلام هم الأبطال، ولم يعيشوا تفاصيل القصَّة، ولا فصول الحكاية، ولم يتذوَّقوا لذَّات الإلهام ولا التَّخيُّل، ولا الشُّعور بالدَّهشة أمام الصّورة والمشهد كما يشعر بها الرِّوائي والكاتب المصوِّر للتَّفاصيل الدَّقيقة التي لا يبصرها غيره، والذي يغوص في محيطات واسعة، ويسبح في عوالم وفضاءات شاسعة بعقل وقلب فنان ومبدع، مختلف عمَّن حوله في كلِّ ما يفكّرون به ويشعرون ويعبِّرون ..

هنا تتحوَّل الرِّواية والكتابة بوجه عامٍّ من مشروع فنِّيٍّ أدبيٍّ لكاتب وروائي، له قلم روائيٌّ أصيل، وأسلوب قويٍّ متين، وذو موهبة حقيقيَّة وإبداع حقيقي، إلى إنتاج جماعي، تساهم فيه شركات الإنتاج الصّناعي، التي تشبه شركات الإنتاج الفنّي السّينمائي ..

والرِّواية والكتابة بوجه عامٍّ هي إنتاج فني وليست إنتاجًا صناعيّا، وهذا الفنُّ الإنساني العظيم لا يخوض غماره إلا من كان فنّانا موهوبا، يمتلك ناصية الكتابة والأدب، ويتقن ممارسة فنون التَّعبير والكتابة بجدارة واستحقاق، ولديه ملكات الإلهام والتَّخيُّل بلا حدود، وإنتاج الخواطر والأفكار بلا حدود ..

أما وظيفة إخراج الرّواية أو الكتاب في شكل جميل وأنيق وجذاب، فتلك ليست من مهامّ الكاتب، بل هي من مهامّ دور النشر في الطِّباعة والإخراح، وكذلك ما يخصّ التَّوزيع والإشهار وتحقيق أعلى مبيعات فهي ليست من مهامّ الكاتب ..

فالكاتب ليس تاجرا بل فنانا ومبدعا، مهمَّته الكبيرة والعظيمة هي نشر الوعي والثَّقافة، وتحقيق الإمتاع والمؤانسة ولذة القراءة ..

وأمّا التَّصحيح اللُّغوي فهو عمل الكاتب أوَّلا قبل أن يكون عمل المدقِّق اللُّغوي، ولكن مع ما أدركته الكتابة من الضَّعف والهشاشة، وكثرة الأخطاء اللغوية والإملائية ..، الخطيرة والمشينة والمتعبة للقلب والعقل، 

صارت وظيفة المدقِّق اللُّغوي حاجة ضروريّة ملحَّة، بل فرضا واجبا لا مستحبّا، حماية لحقوق القارئ ولجيب القارئ ولعقل وقلب القارئ ، وحفظا لماء وجه الكاتب أن يُراق، ولكرامته أن تُداس ..

والرّوائي والكاتب هو المسؤول الوحيدعن كتاباته، وهو صاحب الاختيار والقرار، القائد الموجِّه لمصير قلمه ولما يحرّره ويؤلِّفه، وليس مجرد متخيِّل أو منتج أفكار فحسب ، أو من حقّه أن يكتب كيفما شاء، وكيفما اقتضى الظرف والحال والمقام، وهو لا يتقن وظيفة تحويل الأفكار إلى كلمات وتراكيب وجمل تُصاغ بأسلوب أدبيٍّ فصيح وبليغ وأصيل ..

بل حريٌّ به أن يتحمَّل مشاقّ الكتابة، ويتجشّم مسؤولية التَّكليف بصدق وأمانة ونزاهة، ويحسن الرِّعاية والعناية، والحذق والإتقان في أداء مهامّه على وجه التَّمام، وإن اعتراه بعض الضّعف والنُّقصان اليسير لا الفاحش الفاضِح ..

وحريٌّ به أن يشدّ أزره، ويقوّي عضد قلمه بعزمه الشَّديد وهمَّته العالية، ويرتقي بموهبته برزانة وحزم ..

أمّا من كان عاجزًا منهزمًا منكسرا، لم تُحَل عقدة لسانه وقلمه، ليُفصح ويُبين، ويفقه الناس كلامه وفحوى خطابه، أو كان ممَّن يعاني من العيِّ والضَّعف، ولا تسعفه لغته، ولا يغيثه أسلوبه، ولا تطيب لمجلسه شاعريته، أو كان ممَّن يهزمه قلمه المحرِّر، ولا يسمو إلى مستوى تحمل مسؤوليّات ووظائف الكتابة ..

فليقرأ كثيرا، ويختلي بالكتب دهرا، ويصوم عن الكتابة دهرا، إلا ما يكتبه ليصلح به شأنه، ويقوِّم به لسانه وبيانه، ويبرأ به من دائه وسقامه ..

وكما قال الشاعر :

 وإذا خطبت على الرجال فلا تكن ... هدر الكلام تقوله مختلا

واعلم بأنّ من السكوت سلامة ... ومن التكلم ما يكون خبالا

وقال كسرى: "عيُّ الصَّمت خير من عيِّ الكلام" .

 ونظم بعض الشُّعراء معناه فقال:

حَصْر مُسْهبٍ جرئٍ جِنان ... خير عيِّ الرّجال عيُّ السُّكوت

فممّا يشينُ حِسانَ الصُّوَر ... العيُّ في البَيانِ والخَبر

وقالوا: "البيان بصرٌ والعي عميٌ" .

وقال الشاعر:

وما حُسْن الرِّجال لهم بزينٍ ... إذا لم يسعد الحُسْن البَيان

كفى بالمرء عيباً أن تراه ... له وجهٌ وليس له لسان

وخريٌّ به أن يثقِّف عقله وقلبه، ويشحذ قلمه وفكرته، ويتعلَّم ليُعَلِّم، ويروِّض قلمه على ممارسة فنون الكتابة، ويرتقي به السُّلَّم درجا تلو الآخر، ويبدأ من الأسفل ثم يصعد إلى الأعلى، ولا ينكّس أو يعكس أو يتعجَّل الوصول وهو ما زال برعما صغيرا ومولودا بكرا، وشبلا صغيرا ..

والكاتب والرِّوائي هو المسؤول الوحيد أمام جمهور القرّاء عمّا يكتبه وينشره، والنُّقّاد يوجِّهون سهام النَّقد إليه وحده، أمّا من ساهموا معه تصحيحًا أو تعليقا أو استدراكا، أو تتقيحا وتهذيبا، أو تعبيرا وتحريرا، أو تقديما وإخراجا، أو تدقيقا لغويا ...

 فكل هؤلاء يختفون وتختفي جهودهم وآثارهم، وتختفي كذلك أسماؤهم على غلاف الرواية والكتاب، ولا أحد يذكرهم أو يذكر حسناتهم، ولا حظّ لهم من الصَّيد والغنيمة، إلا الأجر والثّواب من رب العالمين ...

عن الكاتب

د. دعاء عبد الفتاح أخصائي التخاطب والتوحد والصحة النفسية

التعليقات

شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة

اشترك بالعدد الجديد من مجلة القلم الورقية للتواصل والاستعلام / 0020102376153 واتساب

اتصل بنا 00201023576153 واتساب

شاركونا الإبداع