المنتحر
سرت بين الصخور المتعرجة..سرت مترنحا..في
فمي سيجارة وفي يدي زجاجة نبيذ..دموعي
تنهمر بغزارة مبللة وجهي،
كنت مدركا أني الأن مقدما على إرتكاب أمر ما
في حق نفسي ،
وصلت إلى قمة الجبل الصخري ..وقفت على
حافته..أطليت على النهر ومياهه المتدفقة
بقوة والصخور الحادة..إمتصيت أخر ماتبقى
من سيجارتي المحتضرة..رميتها في النهر..
تجرعت ماتبقى في زجاجة النبيذ..اخرجت
صورتها من جيبي..نظرت إليها مليا ثم أجهشت
بالبكاء..وضعت صورتها على صخرة قريبة
وإلى جانبها زجاجة النبيذ حتى لاتغرق معي ..
ألقيت بنفسي من ارتفاع شاهق لاسقط في
النهر.
**فرعوني
أبرز مايظهر في ذلك المكان هن الأهرامات
والقصر الضخم جدا وذلك الأسد الصخري
الجاثم على ركبتيه يتأمل المكان كما أتأمله
انا الأن،
جنود يراقبون العمال بينما هم يعملون بجد
وبعضهم كانوا ينهالون على ظهورهم بالسياط..
كان الجنود يغطون رؤسهم بقطع قماش
مخططة، وكانت أجسادهم قوية جدا ..
تأملت نفسي، فكنت لااختلف أبدا عن هؤلاء
الجنود ..امسك بيدي السوط واتجول بين
العبيد ..لكني كنت أتابع تحركات فتاة
حسناء بينما هي منهمكة في العمل بجد
ونشاط ..لا اذكر أني ألهبت جسد أحد بسوطي
منذ أن رأيتها.
**البحار
ودعت خطيبتي "تماره"..أستعديت لركوب البحر
في يوم عاصف للإنطلاق في رحلة لم أكن أعرف
مصيري فيها،
كانت الرحلة من أجل إحضار مهر تماره ..أن تلك
الرحلة لم تكن هي الرحلة الأولى وسببها طلبات
وشروط ابيها الإبتزازية..التعجيزية ..بلا شك
هو يقصد من ذلك كله الخلاص مني لأنه
لا يرفض طلبا لأبنته الوحيدة المدللة ..
وما كان يزعجه هو أنها كانت تبادلني نفس
الحب ،
ركبت البحر بينما تماره تودعني بدموعها ،
وإنطلقت بنا السفينة إلى المجهول،
* * * * * * * * * * *
انا ...
وكثير من طاقم السفينة المحطمة جثثا ملقاة
على الشاطىء ..وكنت في النزع الأخير..
حتى وصلت تماره ..
إحتضنتني لأموت بين أحضانها .
**تمارين
إنتشرت المعابد في المكان الواسع جدا ..معابد
ذات اسطح من الكرميد وساحات واسعة ،
وقفت انتظر وبيدي العصا حتى ظهرت "شانا"
بوجهها الطفولي وبشرتها البيضاء الشديد النعومة، أطلت مبتسمة ومعها عصاها .. مجرد أن رأيتها حتى عرفت أين أنا وفي أي
زمن.. وفي أي بلد.. وتمنيت أن أبقى هنا ..
أو على الاقل أن يطول مكوثي هنا..في هذا
الزمن ،قلت لها:
-هل أنت مستعدة ؟
-بالطبع يا عزيزي انا دائما مستعدة.
-إذا لنبدأ؟
وبدأنا في التمارين القتالية والبهلوانية الصعبة،
ومن بعيد كان يراقبنا رجل عجوز يرتدي الثياب
الصفراء ويغطي رأسه بشيء يشبه إلى حد كبير
العمامة،
كانت حواجبه طويلة جدا ..طويلة بشكل بارز
وملفت..كانت تغطي عينيه الصغيرتين،
وكان سعيدا جدا بما وصل إليه مستوانا في
القتال .
**إلتحام
نظرت حولي متأملا المكان ،كانت الغابة ذاتها..
الغابة التي ولجتها من البداية وتوغلت بها،
عندما قابلته هنا في نفس ذلك المكان ..لكني لا
اراه أمامي هذه المرة ..وتذكرت أنه في أخر لقاء لي به قد أخبرني بأننا
سنفترق، وأنه قد إخترق جسدي
ثانية وأصبحنا جسدا واحدا ،
لكن ...
أين أنا الأن...
أني لاأرى نفسي ابدا ..
عندما شعرت بالخدر في كامل جسدي والراحة و
السكينة ..والهدوء بعيدا عن كل صخب مريت
به عرفت أني اصبحت جزءا من تلك النبتة
العملاقة ..ذكر وأنثى..
مزج غريب حقا...
لمحت ظبي يجري وخلفه وحش بشع يلحق
به يريد إفتراسه..قفز إلى داخل النبتة يطلب
الأمان ..اقصد انه قفز إلى داخلي..
إلى داخلنا..انا والزوجة...النبتة،
أقفلت فمي عليه ..
شعرت بلذة غريبة..فبدأت بأمتصاص دمه
وهضم لحمه وعظامه..
ماهي سوى ساعات كان الظبي قد إختفي
تماما من جوفي،
شعرت برغبة في النوم ..
لكني لم أفعل خصوصا بعد أن رأيت نفسي
أظهر من جديد ..حينها إنفصلت تلك الوريقات
التي امتدت في البداية وإلتصقت بدماغي..
إنفصلت تماما وغارت في قلب النبتة..
فتحت النبتة فمها..
خرجت منها كما وأني عائد من العالم الأخر..
عائد إلى الحياة من جديد،
**إنفصال
مشيت قليلا..
إستدرت لألقي أخر نظرة إلى نبتتي الحبيبة..
لكني لم أراها ابدا ..
لقد إختفت من مكانها..
إختفت بعد أن تركت مكانها ماء كالدموع
تماما ...لقد بكت البتتة..
بكتت بحرقة على الفراق ..
مشيت في طريق العودة إلى المنزل ..
منزل صديقي في تلك القرية البعيدة .
**صفاء
وصلت إلى المنزل ..
كان باب مدخل ساحته مفتوحا..رأيت في
الداخل طفل يتسلق شجرة البرتقال يريد
قطف برتقالة ..فتنت بجمال الطفولة والبراءة
المفرطة..نظر إلي محرجا من فعلته..
إبتسمت له..فأبتسم هو وبرز الفراغ الكبير في
فمه بسبب فقدانه لأسنانه الأمامية
الفقدان الطبيعي الناجم عن تبديل
الأسنان اللبنية،
إقتربت منه ..قلت له مداعبا:
-حسنا يا صديقي..هل قطفت برتقالتك؟
أجاب بألفة:
-نعم ياسيدي.
رفعته عن الشجرة ..إحتضنته بينما انا اداعبه
على خاصرتيه بأصابعي في ألوقت نفسه ..ضحك
الطفل بصوت مرتفع ..سمعت اخته ضحكته ..
أطلت من فوق حائط منزلها الملاصق لمنزل
صديقي ..عندما رأتني إبتسمت بحياء..
إقتربت منها وانا أحمل الصغير ..قلت لها
ملاطفا:
-مرحبا..لقد قبضت على اللص الصغير؟
إبتسمت وقد إزدادت خجلا وقالت:
-انا أسفة ..أسفة جدا على مافعله الصغير؟
-لاعليك انا احب الأطفال.
-حضرتك الساكن الجديد؟
-لا انا صديق مالك ذلك المنزل ..وانا هنا اليوم
فقط وفي الغد سأغادره.
قال الصغير:
-هذه اختي صفاء ؟
قلت بسرعة:
-صفاء؟
قالت خجلة موجهة الكلام للصغير:
-اصمت أيها الشقي ؟
ثم نظرت إلي كما وأنها تذكرت شيئا وقالت:
-هل تقصد انك تعرفني؟
قلت :
-انا اعرفك من قرون وقرون طويلة؟
سبلت عينيها وغطتها برموش طويلة كستائر
من حرير وتابعت:
-حقا أسم جميل...صفاء ؟
-اشكرك.
قال الصغير:
-وانت مااسمك؟
انا اسمي تامر؟
تنبهت صفاء كما وإنها تسمع أسم لشخص
تعرفه وقالت بسرعة:
-تامر؟
ثم تراجعت خجلة وقالت:
-أ...أنا ...أسفة ..كنت اقصد ...؟
-الم أقل لك اننا نعرف بعضنا من آلاف السنين؟
**خاتمه
إلى جميع اصدقائي وإلى كل من قرأ سطوري ،
لقد إتخذت قراري
وانا في كامل قواي العقلية
وهو التبرع بكامل أعضائي
بعد موتي
لكل مريض محتاج إليها
واحيطكم علما أن جميع أعضائي سليمة
حتى الأن وأني لااشكو من أي مرض ،
وارجو من من يقرأ تلك السطور
أن يبلغها إلى الجهات المختصة
وانا على استعداد للتوقيع.
"تيسير"
(تمت القصة )
تيسيرالمغاصبه
٣-٧-٢٠٢١
الساعة الثانية عشر والدقيقة
السادسة والعشرون ظهرا
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة