ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور: رشيد عبّاس
أقيمت مؤخراً مناظرة جميلة بين كل من الرواية من جهة والتغريدة من جهة أخرى, وقد حضر المناظرة جميع أعضاء لجنة التحكيم وعدد كبير من الجمهور المهتمين, حيث تم رصد جميع المقتطفات بدقة عالية والتي جرت بينهما منذُ البداية وحتى إعلان النتائج النهائية.
لجنة التحكيم: قامت لجنة التحكيم بتوزيع الأدوار بين كل من الرواية والتغريدة, ثم عمل قرعة بين كل منهما لتحديد أي منهما سيبدأ الحديث أولاً, وقد كان البدء للرواية, وقد جاءت الوقائع على النحو الآتي:
الرواية: مساء الخير للجميع, أصالتي بدأت بعدما كان المسرح قديماً وسيلة الترفيه والتعبير عن الناس، وبعد ذلك جاء الشعر ليحمل هموم وأحلام البشر, فقد تراجعوا جميعا أمامي، حيث أن أول رواية لي في التاريخ الإنساني كانت بعنوان (الحمار الذهبي), والتي كتبها لوكيوس أبوليوس في أوائل القرن الثاني للميلادي, وما زال صداها إلى يومنا هذا.
التغريدة: تحية للحضور, الأصل في الأشياء الحداثة وليس الأصالة, لقد تركتُ خلفي كل من الرواية والقصة والمقال والخاطرة دون الالتفات للخلف, ووضعتُ اليوم لي موطئ قدم في جميع أنحاء العالم, وكانت أول تغريدة لي في التاريخ الإنساني في 21 مارس 2006م وكانت لجاك دورسي عبر التويتر حيث غرد فيها قائلاً: (Just Setting Up My Twttr).
الرواية: لا شك أنني أعكس بعمق ودقة وموضوعية جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية بكل تفاصيلها وحيثياتها, ومن هنا جاءت مساحتي كبيرة وواسعة نوعاً ما في الشكل والمضمون.
التغريدة: هذا عصر السرعة والاختصار والاختزال, فانا أختزل مئات الصفحات برسالة (تغريدة) سريعة وقصيرة ومختصرة بسطر أو ربما بسطرين ليتمكن القارئ من قراءتها والتعليق عليها بسهولة ويسر, ومن ثم إعادة نشرها إن أراد ذلك.
الرواية: التغريدة قزم أمامي فهي صغيرة ومحدودة جداً, وقد لا يزيد عدد حروفها عن 140 حرفاً, الأمر الذي يجعل الرسالة مشوّهة المضمون والشكل غير ناضجة الابعاد وغامضة, وتحتاج إلى توضيح بعض المفاهيم الواردة فيها في كثير من الاحيان.
التغريدة: كلا, الرواية هي التي ترسخ تحت ظل الخوف من البوح بمضمون الرسالة التي تود إيصالها للقارئ, وعادةً ما تجيء تلك الرسالة غير مباشرة ومختبئة خلف مئات الصفحات, في حين أن التغريدة جريئة في البوح بمضمون الرسالة التي تود إيصالها للقارئ, فهي تأتي برسالة قصيرة جداً ومباشرة دون أي شكل من أشكال المراوغة والالتفاف والإطالة والخوف.
الرواية: أنا احد فنون الكتابة المعروفة منذُ القِدم وربما من أشهرها فنّياً ولنا جميعاً جملة من قواعد الكتابة وأصولها ونلتزم بها باستمرار التزاماً كاملاً, ولي علاقات وطيدة جداً مع فنون الكتابة الأخرى كالقصة والمقالة والخاطرة..
التغريدة: اعترف بدوري أن كثير من التغريدات اليوم قد تأتي تافهة وخارجة عن الخط العام والمألوف في الكتابة, وربما لا تحمل الحد الأدنى من أخلاقيات الكتابة, وأطمأن الجميع أننا في طريقنا اليوم لتأطير التغريدة وجعلها منضبطة أكثر, وأن يكون لنا قواعد وأخلاقيات عامة, كما هو الحال في كتابة الرواية والقصة والمقالة والخاطرة.
الرواية: لا أعتقد أن ذلك سيحصل على المدى القريب, وذلك لأن المغردون اليوم كُثر..فمنهم من هو متعلم ومنهم من هو مثقّف وهذا أمر جيد, ولكن الكثير منهم (وهنا يقع التحدي) من هو غير متعلم وغير مثقّف, ويدلو كل هؤلاء بدلوهم حول أية قضية قد تطرح, بهدف أثبات انه ما زال موجود على الساحة.
التغريدة: أيضاً هناك الكثير من الروايات والقصص والمقالات والخواطر كانت خارجة عن النص وقواعد الكتابة الاخلاقية المعروفة, وكانت خادشه للقيم والأعراف الإنسانية, والأمثلة كثيرة جداً, ولا يتسع المقام لذكرها هنا.
الرواية: أنا.. لا يستطيع أحد إجراء اية تعليق تافه عليّ أو إعادة نشري (بكبسة) ظفر طويل تملئه (عفواً) الأتربة السوداء من عابر سبيل أراد التسلية ومضيعة الوقت,..نعم أنا وعند تقييمي أحتاج لناقد بارع ومتمرس في النقد يقوم بقراءتي ربما أكثر من مرة كي يصدر حكماً أدبياً مكتمل الأركان.
لجنة التحكيم: لجنة التحكيم تتحفظ على عبارة (ظفر طويل تملئه الأتربة السوداء), وتطلب من الرواية سحب مثل هذه العبارة..وقد تم ذلك من قبل الرواية.
التغريدة: شعاري عصفور أزرق يفتح فمه ويغرد أجمل الألحان, الحاني تأخذ أشكالا عدة..منها النصوص, ومنها الصور, ومنها ملفات GIF, ومنها مقاطع فيديو, ثم نسافر عبر وسائل التواصل الاجتماعي (التويتر) دون تذاكر سفر, ودون حجوزات مسبقة, نجتاز الحدود بين العواصم, ندخل كل بيت, ومرحب فينا عند الشباب.. كل الشباب.
الرواية: صحيح..نحن اليوم على صفحات الورق الأصفر المعتّق, وبين طيّات الكتب المتعبة, وداخل الكراتين المسنّدة, لكن بدأنا نخرجُ على صفحات النت تدريجياً, ولنا مطالبات حثيثة بأن (نحوّسب) الكترونياً, وتصبح حروفنا الكترونية, نعم بدأنا نسافر مثلكم عبر النت دون تذاكر سفر, ودون حجوزات مسبقة, نجتاز الحدود والقارات والمحيطات, وندخل كل بيت, ومرحب فينا عند الكبار قبل الصغار.
التغريدة: اليوم ليس لدى القارئ مزيد من الوقت لقراءة اية موضوع يزيد عن عدة أسطر, فمشاغل الناس كثيرة, والناس مضطربة وتعيش حالة من القلق, كل شيء بات سريع وخاطف..(القراءة) والكتابة, والوجبات الغذائية, والمركبات, والحوار والنقاش والتفاوض...حتى مدة الزواج للأسف الشديد باتت قصيرة اليوم وسريعة...أننا في عصر السرعة اليس كذلك؟
الرواية: عن ماذا تتحدثون, عن (القراءة) والكتابة السريعة, وعن الوجبات الغذائية السريعة, وعن المركبات السريعة, وعن الحوار والنقاش والتفاوض السريع, أم عن الطهي السريع الضار,..كل هذه الاشياء السريعة وغيرها بائت بالفشل الذريع بسبب السرعة الزائدة فيها, فالتسارع يفقد الاشياء خصائصها, والتباطؤ يعطي للأشياء جميع خصائصها بكل وضوح...أننا بحاجة ماسة إلى التروي والتمهل والتريث في كل شيء حتى لا تتحطم حضارتنا العريقة اليس كذلك؟
لجنة التحكيم: آخر تعليق لكل من التغريدة والرواية, حيث انتهاء وقت المناظرة.
التغريدة: عدد قرّاء الرواية محدود جداً, في حين أن عدد قرّاء التغريدة بالملايين,.. شكراً لحسن الاستماع.
الرواية: مع أن عدد قرّاء الرواية محدود, إلا أن تأثيرها الفكري كبير جدا ويمتد لعدة أجيال متلاحقة, حيثً يتم تناقلها جيل بعد جيل,.. شكراً لحسن الاستماع.
(أنتهى الحوار)
لجنة التحكيم: تعلن أما جميع الحضور انتهاء وقت المناظرة المقرر, وقامت على الفور بجمع النقاط لكل من الرواية والتغريدة وفق المعايير الدولية المعمول بها في المناظرة في ضوء قوة الطرح والعرض مقابل تقديم التبريرات والبراهين والادلة, وقد كانت النتيجة 69 نقطة لصالح الرواية, مقابل 62 نقطة لصالح التغريدة, وبهذه تكون النتيجة بفوز الرواية وبفارق 7 نقاط.
لجنة التحكيم: تسليم درع الفوز للرواية مع تصفيق حار من قبل الحضور, مع خروج جميع الحضور من القاعة مبتسمين, وتغلق الستارة.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
قام بتأليف هذه المناظرة الافتراضية الأستاذ الدكتور رشيد عبّاس/ المملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ 1/12/2021 ,هاتف (0770524967)
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة