قبل أن أتوسع فى الرد يجب أن نعرف أن الأديان السماوية فيها جانب غيبي يعتمد على قوة الإيمان , لأننا لم نر الله جهرة بحواسنا وإنما الدلائل المادية تدلنا عليه , كما أن الأديان أرشدتنا الى معرفته وعلمتنا , الجانب الإيمانى والجانب المادى المعتمد على العقل والحواس , فلا أحد ينكر ذلك مهما توسع فى المادة والعقل , وجعل العقل هو إلهه الذى تنتهى عنده كل شىء , فهو الحاكم بأمره على جميع ما فى الكون , وهذا دأب الماديون أصحاب الحواس ومعظم بنى إسرائيل ومطالبهم التى تدل على ذلك كطلب المعجزات المادية كالمائدة , وطلب الله جهرة وهم غير مؤهلين لذلك فى الدنيا , وأتباع المادة الى يومنا يشككون فى الغيبيات والبعث والنشور والوحى والنبوة ويجعلون من النبوة أنها قدرة على التخيل كما ادعى ذلك الفلاسفة ومنهم ابن الراوندى والفارابي وغيرهم , فمن يعتقد أن العقل المخلوق والمحدود هو سيد الكون فهو خاطىء , لأنه مخلوق ومحدود , ولا يمكن لمحدود ومخلوق أن يحكم على الخالق له والغير محدود , فالله غيب والعقل لا يحكم على الغيب وإنما الإيمان الدينى , كما أن العقل المخلوق يحده مكان وزمان ( ماضى وحاضر ومستقبل ), والله عز وجل لا يحده مكان ولا زمان لأنه خالق المكان والزمان .
فالله عز وجل أخبرنا أن هناك مخلوقات لا ترى بالحواس كالعين مثلا الا لمن أراد هو أن يطلع البشر عليها كالجن والملائكة, ويأتى العلم بقوانينه ليقول لنا الحق أن هناك كائنات لا ترى الا بالأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء , كما أن هناك أصوات فوق ادراك الأذن البشرية تعتمد على الطول الموجى وتسمى الموجات فوق السمعية أو تحت السمعية , فالوطواط مثلا لا يرى ولكنه لا يصطدم بالأشياء لأنه يعتمد على الموجات ارسالا واستقبالا , فهل للعقل حكم هنا الا بعد أن اكتشف ذلك العلم مع مر السنين وتطوره , وفناء أجيال من العلماء لاكتشاف ذلك فى معاملهم
كما أن معظم من ينكر المعجزات الخارقة والغيبية يحكم عليها من جانب عقله المحدود , وتبعا لتفسيراته للآيات القرآنية مثلا على حسب فهمه القاصر وعلمه المحصور فهو غير مطلع على اللغة والبلاغة وعلى أن الآيات تفسر بعضها ويفسر بعضها الحديث النبوى , فأصحاب العقل السيد لا يعترفون بمعظم الأحاديث النبوية ولو صحيحة ومتواترة تحت زعم أنها لا تتفق مع القرآن وهذا زعم ناتج عن قلة العلم ومحدوديته , وهؤلاء يرفضون تفسيرات الصحابة يكاد كلها تحت زعم أنهم رجال وهم رجال وأن الواقع تغير والعلم تقدم , فى هذا الزعم جزء صحيح أن الواقع تغير والفهم والتطور العلمى , هذا لا يعنى الغاء فقههم بل يمكن الإضافة لهم أو تصويب مالم يكن متاح لهم من العلم فوضحه العلم, فلا ننكر الاجتهاد لكن لا نلغى كل ما قاله أصحاب الاجتهاد طالما صحيحا ولا يكذبه العلم
من المعلوم أن تقدم العلم والمعرفة والتكنولوجيا تكشف لنا أبعاد ما فوق العقل , أو قل ما يعحز عن تفسيره العقل بالمنطق أو عن طريق الحواس التى يستخلص منها استنتاجاته , أو قل البعد الرابع فيما بعد النظرية النسبية لنيوتن للأبعاد الثلاثة نظريةاينشتتاين واضافة البعد الرابع الزمانى أو المكانى ثم البعد الخامس الروحى , وهذا التقدم يكشف ما خفى لنا من تفاسير للآيات القرآنية التى كانت فى العقود السابقة لا يمكن تفسيرها كما فى حاضرنا كشكل الأرض البيضاوى وليس الكروى وأن الأرض هى التى تدور حول الشمس وليس العكس " والأرض بعد ذلك دحاها " وقال تعالى : " لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " .
فانظر معى للقيمة الغير العادية لاكتشاف عالمنا الجليل أحمد زويل للفيمتو ثانية أى أجزاء من المليون من الثانية والتى توصلنا بها لعمل الذرة والاليكترونات بل والتفاعلات الذرية والتفاعلات بين الجزيئات الكيميائية وغيرها , وكان من المستحيل التوصل لذلك سابقا , وكان من المستحيل لأى عقل أن يصدق ذلك , وحدث وبالتجارب والصناعات التى تمت على عمل شعاع الليزر واقع حى بل أصبح ضرورى ومهم للغاية , ومن قبل اكتشاف الفيروسات والميكروبات بالميكرسكوب الاليكترونى الدقيق جدا والمكبر أضعافا تصل لآلاف الأضعاف , وكانت لا ترى بالعين أو يحققها العقل , وأيضا ما يحدث فى الكون من أفلاك ومجموعات فلكية تشبه المجموعة الشمسية وذلك باختراع التليسكوب الفلكي المقرب والمكبر ملايين المرات وملايين الكيلومترات , حتى توصلنا للسنة الضوئية وسرعة الصوت والضوء . فنجد أننا نرى باستخدام الموجات الكهرومغناطيسية والموجات الكهروبائية والميكروويف ونحن فى أماكنا ما يبعد عننا مئات الألاف من الكيلومترات , فنشاهد ما يحدث فى أمريكا ونحن فى قرية نائية من ضواحى مصر , بل يتم تسجيل ذلك ليمكن مشاهدته مرات أخرى على ديسكات مضغوطة ممغنطة صغيرة جدا وكأن الأفراد أحياء , بل نرسل الموجات الى كواكب أخرى غير الأرض كالمريخ أو كالقمر وقد أرسلنا سفن فضائية بها ما استحدث من تقنيات ونعرف ما يحدث على هذه الكواكب والأقمار فى زمن معدوم أى أجزاء من الثانية , والأغرب أننا استحدثنا طرق لنعالج بها قلة الأكسجين على هذه الكواكب ليتعامل معها الانسان المرسل اليها وأيضا طعاما مضغوطا يعتمد على الطاقة لا الكم أى جهزنا الإنسان الى إنسان فضائى , وطورنا المراكب الفضائية لتتخطى قوانين الجاذبية وانعدام الوزن بالنسبة للأرض , أبعد كل هذا يعجز خالق الكون أن يجهز الإنسان لرحلة سماوية ولنقول لهؤلاء ارجعوا الى نظرية الطاقة فى الكون أيعجز الله أن يحول الانسان الى طاقة تخترق الكون بلا زمن وبلا مكان , فالله عز وجل يجهز البشر لتلقى الوحى والوحى نور وهو فى الشكل البشري , وهذا الفرق بين من يوحى اليه ومن لا يوحى اليه ,وانظروا الى العلم الصينى فى الإبر الصينية التى بخريطة ما توصل الصينيون الى مراكز الطاقة فى جسم الإنسان , فالبعلم هذا مجرد وضع إبر صينية فى أماكن الطاقة ممكن يستطيعوا بها التخدير وإجراء عمليات كبيرة للأعضاء الجسدية , وانظروا الى علم الإيحاء والتنويم المغناطيسي باستخدام وسيط , ولا ينفى أن تكون معجزة النبى محمد صلى الله عليه وسلم كلامية كالقرآن تحديا لأهل البلاغة أن تكون له معجزات خارقة للعادة كشق القمر مثلا أو أن يسرى به ويعرج به فى لا زمن ,
ما العجب فى ذلك وقد رفع الله عيسى عليه السلام بلا موت كموت البشر العادى وإنما وفاة كالنوم مثلا ,
وما العجب أن الله بإذنه يجعل عيسي عليه السلام يحي ويميت , وأن يشق البحر لموسي عليه السلام ليكون يابسة أو أن يحول الجماد كالعصا الى حية تسعى
أنتم تعترفون يالإسراء وهو من مكان الى مكان فى لا زمن وإن لم تعترفوا بالبراق وهى دابة خلقها الله خارقة للعادة أى الزمن والمكان ليقرب لنا الشىء , ففيما الرفض للمعراج الى السماء وقد هيأ الله النبى لذلك المعراج وهو الخالق القادر الغير محدود بعقل بشرى
ألم يكن الاسراء فى لا زمن مع أن المسافة الحقيقية من المسجد الحرام الى المسجد الأقصي كبشر عادى تستغرق عقليا وواقعيا مدة لا تقل عن شهر أو أكثر
أما دليلكم أن الرسول جاء على لسانه فى القرآن لما طلب منه قومه أن يرقي فى السماء قال ما أنا الا بشر رسول , فهى نفى للنبى أنه من نفسه قادر على ذلك لأنه بحكم بشريته لا يستطيع وأرجع ذلك الى الله فهو القادر على ذلك , لا يعنى نفى المعراج بالنسبة لقدرة الله إن شاء , فالنبى يثبت لقومه أن البشر ليس فى مقدورهم ذلك من عنديات أنفسهم
قال تعالى :وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً (95)الاسراء
فالكفار هنا في معرض التحدى كون الرسول بشرا , لذلك قال لهم أنا بشر ورسول ويستلزم الارسال للبشر من الله عز وجل أن لا يكون ملكا رسولا ليستطيعوا التعامل معهم , ولكن لا ينفى هذا خصوصيات الرسل والأنبياء في تلقى الوحى واجراء المعجزات على يديهم ولهم بطلب منهم من الله كمائدة عيسي أو عدم طلب كما حدث للرسول في ناقته التى بركت في مكان المسجد النبوي بأمر الله أو تسبيح الحصى بيديه مثلا ,فكلا الأمرين الطلب أو غير الطلب كل الأمور مرجعها الى الله لا الى بشرية الرسول .
نعم هناك أحاديث موضوعة كثيرة في الإسراء والمعراج , وقد بينها علماء الأحاديث حتى قالوا أن كتاب ابن عباس في الاسراء والمعراج معظمه أحاديث موضوعة , لا ينفى هذا الحادثة نفسها وسورة النجم وتفسير هؤلاء لها مجانب للصحة , لأن الآيات تدل أن النبى محمد رأى جبريل عليه السلام على الأرض وبهيئته الحقيقية في السماء , فهؤلاء ينسبون أنما حدث في السماء كان لجبريل وليس للنبي مع أن سياق الآيات واللغة العربية تدل عكس ما يقولون
بحث وحيد راغب
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة