____________________________
منذ فترة، لاحظتُ أن زوجتي أخذت تراقبني أثناء وجودي منفردًا في غرفة مكتبتي بالبيت، كانت تتقدم نحوي، بحجة إحضار مشروبات ساخنة في هذا الجو البارد، حفاظًا على صحتي، كما إدعت..!
لكن كنت ألاحظ ان عيونها تلاحق الكلمات التي اكون اكتبها
على دفتري، أو تنظر على هاتفي إن كنت اكتب، أو أقرأ.
قبل فترة، دخلَت كالمعتاد علي، وهي تمشي على رؤوس أصابعها، لتفاجئني بالقول:_
هل تتواصل مع احد على الماسنجر، او يتصل أحد معك من غير الأقارب؟هي تقصد صديقات.
طبعًا بيني وبينكم، حصل هذا، فأنا أتواصل أحيانًا مع أصدقاء وصديقات على الماسنجر، لكن لست مجنونًا لأعترف لها بذلك
فقلت لها:_لماذا السؤال!
قالت:_انت تعرف أني درست علم النفس، والكذب له دلائل. والدلائل تلبسك من رأسك لأخمص قدميك، فهي تظهر عليك. انا لاحظت هذه الإشارات، حيث لما أسالك من كان معك على الخط، تخترع اسماء رجال.. أبو خليل وأبو دعيس وغيرهم ولكن إحمرار وجهك، وتهربك من الإجابة أحيانًا، او التحدث لي بتفاصيل مملة، ولا تهمني، مثل شكواك من ارتفاع سعر الفجل،أو أخبار مجلس النواب عندنا، وسباق النوق، لكنك لا تلاحظ ما يجري معك من توسع في حدقة عيونك، ونظراتك للارض وحك أنفك، او ارنبة اذنك، باختصار.. انت تكذب علي..
أُف.. حمي الوطيس.. وأنا طول عمري أقول عنها، أنها وديعة كالحمامة!.
وقفت أمامها مدافعًا مثل ملاكمة مني بوزن الريشة، وهي ملاكمة من فئة الوزن الثقيل.
دافعت عن نفسي، لكن مثل محامي فاشل يدافع عن قضية عادلة، كنت اتكلم بعصبية وزعيق.
انتهى الحوار، مثل حوار تخصيب اليورانيوم بين امريكا وايران، إنتهى إلى طريق مسدود.
في صبيحة اليوم التالي، خرجت باكرا، لمتابعة معاملة لي
في دوائر الحكومة، لم تسألني زوجتي حتى إلى اين ذاهب
ولو دخلت عقلها، لسمعتها تقول:_. إلى حيث ألقت رحلها.
عدت إلى البيت ظهرا، وأنا أحمل لها قارورة عطر فرنسي، من النوع الفاخر، طلبتها مني من زمان، وكنت أماطل معها، قلت لها:_
تفضلي.
لم تتعب نفسها لتقل لي الحمد لله عالسلامة،او شكرا عالهدية.
قالت:_لا يصلح العطار ما أفسده الدهر، إتبعني..
لحقتها، دخلت لمكتبتي، وإذ يوجد على طاولتي، جهازأ يشبه الخوذة، ومربوطًا بأسلاك كهربائية، مع شاشة.
بادرت هي، بالقول:_
إجلس امام هذا الجهاز، وكان الشرر يقدح من عيونها.
قلت:_خير يا طير..
قالت:_أمس سألتك عدة أسئلة، وأشعر أنك تتهرب منها، بل وتكذب علي.
إستلفت هذا الجهاز من صديقة لي، إنه جهاز كشف الكذب
(البوليغراف).
هذا الجهاز لعلمك، يقيس التغيرات الفسيولوجية التي ستطرأ على جسمك، من نَفس، وتعرق وضغط الدم، وايضًا ما يطرأ من إستجابات كهربائية(إستجابة الجلد الجلفانية).
قلت:_يا ساتر، أنت أصبحت خبيرة الآن، أشعر أنني في أقبية بعض الأنظمة الفاشية، هل جننت؟
قالت:_مادمت واثقًا من نفسك، فما الضير أن تجرب.
قلت:_يا طولة الروح. حاضر.. تفضلي..
قامت بربط الاسلاك بساعدي وبطني، وربطت الكل مع شاشة الكمبيوتر..
قالت:_سأجرب بسؤال، نتفق عليه، لتكذب به.
مثلا..
كم عمرك؟
قلت:_40عام.
اخذ الجهاز يزعق.. طوط.. طوط.. طوط.
أعادت علي السؤال...
قلت:_73عام.
قالت:_الآن لنبدأ.
قبل أيام أنزلت حضرتك منشورا بعنوان(لماذا يتغنون بليلى).
هل يوجد في صفحتك، آنسة أو سيدة، إسمها ليلى؟
بسرعة قلت:_لا.
الجهاز.. طوط.. طوط.. طوط.
قلت:_تذكرت عندي اكثر من إسم، يحمل اسم ليلى، بالعربي والافرنجي.
قالت:_هل لك بعلاقة خاصة مع أحدهن؟
قلت:_لا..
الجهاز صامت، خرجت مني تنهيدة طويلة.
قالت:_هل تتواصل مع سيدات؟
قلت:_لا..
طوط.. طوط.. طوط..
قلت:_اتواصل، ولكن على نطاق ضيق،وأعامل الكل كبنات لي او أخوات، يا حبيبتي، أنا رجل كهل، وهل بعد هكذا عمر أفعل
هذا!.
قالت:_في مَثل أنت تعرفه، عن الرجال والغربال.
آخر سؤال عن النساء، هل يوجد من نساء العمارة التي نسكنها تراها أجمل مني؟
قلت:_طبعا لا.
الجهاز:_طو.. وانقطع الزامور.
قالت:_هل سمعت مثلي تزمير؟
قلت:_لا، أنت مشوشة.
إبتسمت،وقالت:_
نترك الفيس، والآن، منذ اول الشهر قلت سأعمل ريجيم ويومها قلت لي :_سأفعل مثل شعبولا، باغنيته، ساترك السجاير باول يناير.وعملت ريجيم من أول ينايرولكن لا
أراك نحفت، وكرشك، يمتد للأمام أكثر، فهل تأكل خارج البيت؟
قلت:_لا..
طوط.. طوط.. طوط..
عدت أعترف أنني أفطر بالخارج، واحتفظ بألواح الشوكولاة
في درج مكتبي.
قالت:_إنتهت الأسئلة.
قلت :_إرتحت الآن ياختي، جاء دورك، إجلسي امام الجهاز.
قالت:_ماذا تقول!
انا ليس عندي لا فيس ولا ما يحزنون.
قلت:_ما عليك. أجلسي.
جلست وهي تقسم ان ليس لديها اي خروج عن النص.
سالتها:_هل الجهاز من صديقتك؟
قالت:_نعم.
طوط... طوط.. طوط.
عادت تقول:-بل إشتريه.
سؤال:_هل يحدث ان تأخذي فلوس من جيوبي، دون علمي؟
قالت:_لا..
طوط... طوط.. طوط.
عادت تعترف، نعم آخذ.
سؤال:_هل تعطي احفادي فلوس، دون إخباري؟
قالت:_لا.
طوط.. طوط.. طوط..
ثم قالت مافي أغلى من الولد، الا ولد الولد.
سالتها:_هل...
وقبل ان اكمل اخذ الجهاز يقول.. طوط.. طوط.. طوط..
شفقت عليها.
ولا ادري كيف خطر ببالي، أن أسالها هذا السؤال:_
نحن تزوجنا منذ خمسين عامًا، هل انت نادمة على الزواج مني؟
اوووه.. إنفجر الجهاز.
عدت أقرأ التعليمات في الكاتالوج للجهاز، وإذ مكتوبًا عليه..
The Small Faults
ومعنى هذا ان الجهاز يقيس ما نسميه( اللمم). وذكر ذلك بالقرآن الكريم..
(الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، الا اللمم، وإن ربك واسع المغفرة) صدق الله العظيم.
الحمد لله، ربي ستر علينا، و الامور الصغيرة، غالبنا للأسف يمارسها، ومع هذا فعلينا تجنبها.
إنزويت جانبا، وعدت أتذكر أيام الخطوبة، وانا ازرع لها البحر مقاثي. وأغني لها..
لزرعلك بستان ورود.
وشجرة صغيرة تفييكي.
واغزلك من نور الشمس
سوارة تزين ايديكي..
تذكرت كم من قصائد الغزل قلت بحقها..
تذكرت وانا اعاملها مثل مهند لنور، تذكرت انني لم أكن انام
وانا اعيد ما قالته لي، والآن يملأ الغرفة شخيري، وهي تتحدث معي.
تذكرت انه في جلسة جمعتني مع نخبة من المثقفين، سألتهم سؤالا حيرهم، كان السؤال:_
لماذا كان الشعراء العذريين، امثال :قيس بن الملوح، وجميل بن معمر، وكثير عزة وغيرهم(يتشببوا) اي يتغزلوا بحبيباتهم
شعرا، والدستور الغير مكتوب عندهم، يحرم على من يتغزل بحبيبته ان يتزوجها، مثل من يوزع بالوقت الحاضر، صورا فاضحة لحبيبته.
تعجبوا بأن لا أحد خطر بباله هذا، سالوني:_ما رايك انت؟
لماذا لم يفتر الحب عندهم؟
ظل الحب متأججًا لديهم حتى آخر لحظات موتهم.
كانت إجابتي المتواضعة:_ ان هؤلاء الشعراء، يتمتعون بعذاب الحب، ووهجه.ولو تم الوصال، فسيخبو وينطفيء هذا التوهج،وبالتالي سيصبحون مثل بقية البشر، حب فقط قبل الزواج، وفتور بعده.
هم كانوا يتمتعوا بعذاب الحب بالبُعد، اكثر من فتور الزواج. مثل قول كوكب الشرق:_عذاب الحب أحلى عذاب.
ليست دعوة مني لعدم الزواج، لكن لا يجوز ان نميت الحب بعد الزواج، مثلما قالت الاديبة أحلام مستغامني، ووظفها الأخوين رحباني، وغنتها السيدة فيروز..:_
( بقولوا الحب يقتل الوقت..
ويقولوا الوقت يقتل الحب....)
ففي فترة الخطوبة
الحب يقتل الوقت، والعكس بالزواج.
لكن هل يموت الحب فعلا بعد الزواج؟
لماذا نعدم لغة الحب بيننا، بعد الزواج!
أقول أن التوهج، هو من يموت، يظهر الحب جلياً في السفر والمرض والموت، بين الأزواج.
لكن لماذا ننتظر الشدائد، حتى نظهر حبنا لبعض! .
عدت لصوابي، لن انتظر المصائب لأعيد الحياة والحب، لا بد ان اعيد حساباتي، ها انا ارتشف قهوتي، واسمع فيروز تقول:_
انت وانا، ياما نبقى نوقف على حدود السهل
وعلى خط السما الزرقا، مرسومة طريق النحل.
نظرت للسماء، تخيلت زوجتي هناك، تتمرجح فوق قوس قزح وتتمشى في درب التبانة، وتغسل وجها من الشفق.
رفعت يدي للسماء ، إمتلأ كمي بالكواكب وتزنرتُ بحلقات زحل.
ذبت في أثير الليل الغامض، وراحت النجوم تنحدر إلى قلبي كاللآلئ، وامتلأت روحي بالصفاء، وقلت. لا بد ان يصمد بيننا الحب أمام جبروت الزمان.
ها انا من جديد، حروفي تهرول نحوي، وتنتظم لوحدها لتسطر لك حبيبتي قصيدة غزل...
سححتُ من المزن دمع المداد...
وسمحت لرموشك، تُكتب بها كل القصائد.
وسحبتُ من الحزن جمع الحداد...
فسكبتُ لشجونك أجمل القلائد................
ورحتُ أخزن من مقلتيك لمع الرقاد
ومن عيونك،كان برق الفراقد...................
وسبحت في بحر عيونك،وهو المراد
فكانت جفونك لي اجمل المكائد..............
حتى إذا ما ثغرك، إبتسم لي وجاد
جئت أحبو لك، متضرعًا... ومناشد..........
هلوسات
نظير راجي الحاج
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة