أكاديمية الحياة هي أكاديمية ديناميكية كبرى متجددة لا تحدها جدران ولا فصول ولا زمان أو مكان يدخل الدارسون فيها منذ قدومهم إلى الحياة الدنيا وبدء مداركهم المعرفية البدائية المحيطة بهم إلى نهاية مسيرتهم الحياتية وخروجهم منها بعد أن أكتسب بعضهم المعارف وإدراكه لمكنون الحياة فمنهم من تفاعل وترك بصمة والبعض من غادر كما دخل، فهي متجددة الحيوية متعددة المعارف يصعب إحصاؤها متشعبة العلوم والمدارك تتبلور الأفكار وقد صقلت كل المدركات الإنسانية وأسهمت فيها حسب الظروف والمعطيات والاحتياجات البشرية ولهذا فإن مقرراتها لا تكتمل ولا تنتهي ففي كل يوم هناك مستجدات وأفكار ومكتشفات ونظريات وصراعات مختلفة لها منهجيات حضارية متنوعة تدخل ضمن المقررات الواجب دراستها فهي تحمل في طياتها كل المعارف العلمية والفنية والأدبية والاجتماعية ومجموع الميزات والخصائص الاجتماعية والدينية والخلقية والتقنية والعلمية والأدبية والفنية على مر العصور وصراعاتها المستمرة التي تنتج في كل مرحلة من مراحلها نتائج جديدة وخبرات مستحدثة تستوجب البحث والتمحيص ودخول معتركها، وتتميز هذه الأكاديمية عن الأكاديميات الدراسية التي يعد الإنسان مقرراتها وتحدها الجدران والفصول ومراحلها الانتقالية وطريقة تلقي العلوم المعرفية ضمن مناهج دراسية معدة مسبقة في كتب يعدها المدرسون وعلى الطالب اجتياز الامتحانات المقرر في نهاية كل فصل من فصولها وليحصل في نهاية الأمر على شهادة علمية وضعية تثبت أنه تلقى نوعا من العلوم الإدراكية التحصيلية تخوله ممارسة مهنة محددة في العلوم التي تلقاها، أما أكاديمية الحياة فتتميز بمقرراتها المتعددة المختلفة المتجددة التي لا تعتمد فقط على التلقي بل وأيضا على المدركات الحسية عمليا ونظريا والفكرية الخاصة والعامة والمحاكاة الفكرية والذكاء البشري المكتسب والفطري والصراعات بكل أنواعها إن كانت فردية أو اجتماعية أو دولية كالصراع بين الخير والشر أو من أجل البقاء أو على السلطة أو صراعات اقتصادية أو اجتماعيا أو دينية أو عرقية وهذه الصراعات موجودة في كل زمان ومكان وفي كل المجتمعات على مر العصور، وهي متجددة تظهر من حين لآخر وفي أثواب مختلفة وعادة ما تكون بين عدة فرقاء والنتيجة الحتمية لها أن يكون هناك غالب أو مغلوب منتصر أو مهزوم وأحينا يكن التعادل هو النتيجة المثلى وترى هناك دائما مجموعة من الأشخاص غير المتفاعلة مع الحدث تتصف بالمكر والدهاء تراقب الأحداث عن بعد بعيون المتحفز الثاقبة يعتمدون مبدأ النأي بالنفس حيال الأحداث فيتوارون خلف الأكمة وهم الانتهازيون المتسلقون الذين يتحينون الفرص ليحققوا مكاسب شخصية على حساب الآخرين فبمجرد أن تنجلي الأمور يخرجون من أوكارهم ويشدون على يد المنتصر ويرمون عليه شباك ذكاء الدهاء بالهتاف والتأييد وكأنهم كانوا في قلب الحدث وكان شيء لم يكن ليجنوا نتائج نصر غيرهم، ولذلك ونتيجة تميز هذه الأكاديمية فمقرراتها لا تنتهي ابدأ فكلما أنهيت مقررا أو بحثا وجدت أن هناك الكثير من المقررات والأبحاث الأخرى عليك دراستها أو هناك من المعارف والمدركات المكتشفة لاحقا التي يجب عليك تحصيلها وضمها إلى جعبتك، وهذا ما يجعلها تختلف عن الجامعات المعرفية المهنية المحدودية المحدثة والتي تعتمد على الاختصاص والتي أسستها المجتمعات الإنسانية حيث يعتمد الدارسون فيها على تلقي العلوم من الأساتذة المختصين وهذه أيضا مرتبطة ارتباطا وثيقا مع المستحدثات العلمية الجديدة والمتطورة والتي يتطلب تحديث مقرراتها حسب المعارف المحدثة، بعدها يتقدمون إلى امتحانات في نهاية المرحلة الدراسية تثبت فهما وإدراك ما تلقوه من معلومات لتمنحهم شهادات علمية تعطي حاملها صلاحية ممارسة أعمال ووظائف عامة، أما أكاديمية الحياة فهي دائمة الحداثة والاستمرارية كما أسلفنا وهي على شكل اختبارات عملية متكررة قد تتشابه أحيانا في المظهر ولكنها تختلف في الجوهر وهي تعكس حالات متعددة الوجوه والظروف، ولذلك تكون أكاديمية الحياة متشعبة العلوم والمدارك تتبلور الأفكار فيها حسب الظروف والمعطيات والاحتياجات البشرية ففي كل يوم هناك مستجدات وأفكار ومكتشفات ونظريات وصراعات مختلفة لها منهجيات متنوعة فكلما أنهيت مقررا أو بحثا وجدت أن هناك الكثير من المقررات والأبحاث الأخرى عليك دراستها، فبالإجمال أن الدراسة فيها والامتحانات تتصف بدوامية الاستمرار يكون فيها الإنسان قد حصل على أعمال وخبرات علمية وثقافية تتناقلها الأجيال فهي تأخذ وتعطي تتيح للبعض في التميز والبعض الآخر قد يكون عابر سبيل التحق في مدرسة ما ولم يستطع أن يحقق أي نجاح أو يكتسب المعارف فمن لحق الركب سلم وأحرز المكاسب والإنجازات ومن لم يلحق الركب فشل وتردى فالرسوب فيها يعتبر مكلفا جدا وهي في المقابل لا تعطي شهادات تخرج مطلقا إنما تعطي صحيفة أعمال قد يذكرها الدارسون وتعلق أعمالهم على جدرانها أو يكونون مع الغابرين، ولذلك على الطالب التهيؤ للامتحانات المتكررة التي لا تنتهي فعليه التعلم من الحياة كل ما هو مفيد وناجع بالاعتماد على استثمار المعرف المدرسية التي تلقاها والاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين من خلال معارفهم المكتسبة والتجريبية والاعتماد على اكتشاف ما خفي عنه واعتماد طريقة التحليل العلمي والمنطقي لكل الظواهر والمدركات وإعادتها إلى أصولها ومقارنتها مع مثيلاتها أو مع من تجتمع به من مواصفات مع ظواهر أخرى ولكي ينجح الإنسان في أكاديمية الحياة عليه أن يضع نصب عينيه النجاح وليس من نجاح إن لم يكن هناك طموح يهدف إليه ليحقق ذاته ولا يتم ذلك إلا ضمن شروط خاصة أولها الإيمان بالله على أنه هو القادر على كل شيء والاستعانة به على قضاء الحوائج واستلهام القوة وأيضا الثقة الكاملة والمتينة بالنفس بعيدا عن الغرور والتعالي ثم النظر إلى الحياة نظرة جميلة وأنه يستحق أن يعيشها ويكون فاعلا متفاعلا معها وعلى أنها هي المدرسة الكبرى ومن ثم وضع الهدف والغاية النبيلة بصدق التي يطمح في تحقيقها والوصول إلى النجاح مستعينا بما حصل عليه من معارف وعلوم ومع خبرات وتجارب الآخرين وقد وضع لنفسه مثلا ناجحا يقتدي به متحليا بالصبر والأناة، فالطموح لتحقيق الأفضل هو صفة الإنسان المكافح الذي فهم وأدرك الحياة ويسعى دائما لتحقيق الأفضل فالإنسان الطموح هو الذي يحب دائما إلى أن يكون في المقدمة مشارك فاعل في الحدث ويأبى أن يكون في الصفوف الخلفية أو في قوائم الاحتياط.
الكاتب والشاعر د. محمد توفيق ممدوح الرفاعي
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة