دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة

"من مذكرات أستاذ جامعي" "التربية والتعليم في الزمن الجميل" بقلم / ا.د/ محمد موسى

عدتُ بذاكرتي إلى أيامٍ قد خَلت ، وعشتُ هذه الأيام ثانيةً وكأنها حلم من الأحلام ، فأٌمي تأخذ بيدي للذهاب في أول يوم إلى المدرسة القريبة من المنزل ، فقد كبرت وبلغت الرابعة إلا شهور خمسة ودخلت في ( Kg ) الروضة ، وكنتُ سعيداً حيث أنني أرتدي بنطلوناً طويلاً لأول مرة في حياتي وهو زي المدرسة الموحد ، ومعلق علي صدري كارت مكتوب عليه كل البيانات أي إسمي والمدرسة وعنواني ، كما وزعتها إدارة المدرسة على كل التلاميذ ، وعندما وصلنا إلىِ باب المدرسة ، دخلت أمي معي فهذا هو اليوم الأول لي في هذا المكان الجديد ، وسوف أُترك وحدي لمواجهة ما لم أعتاد عليه وبعيداً عن أمي التي لم أفارقها من قبل ، وتعجبت مما أراه في المدرسة ، فأمي كانت قد أبلغتني أن أجمل مكان في الدنيا بعد حضن الأم هو المدرسة ، التي سوف تجعلني رجلاً يتعلم ما يعرفه الكبار ، وفعلاً وجدت المدرسة مكاناً متسعاً ونظيفاً وبه الكثير من الألوان ، إلا أنني رأيت أطفالاً يبكون بصوت وآخرون يبكون بلا صوت ، وكان السؤال الذي حيرني لماذا هؤلاء يبكون ، ظلت أمي بجانبي بعض الوقت حتى بُدأ في تنظيم الصفوف ، إبتعدت أمي قليلاً وهي تنظر إلىَ وتبتسم ، وظلت هكذا تبعد وهي تبتسم لي لكي أشعر بالأمان ، حتى وصلت إلى باب المدرسة ، ورفعت يدها لوداعي والإبتسامه تشرق في وجهها ، وأختفت عندما همت صفوف التلاميذ بالصعود إلى الفصول ، ومازال البعض يبكي والمدرسيين يحاولوا تهدئتهم ، وسمعت بعض الأولاد وهم يصيحون ماما ماما ، ثم دخلتُ إلى الفصل مكاني الجديد ، وهو عبارة عن سبورة خضراء جميلة ظللتُ أتطلع اليها بإبتسامه ، وترابيزات مستديرة ملونه بألوان جميلة ، وحول كل واحدة منها عدد أربعة مقاعد ملونه بلون التربيزة وصغيرة كأحجام هؤلاء الصغار ، وجلست في أحدهم وجلس معي ثلاثة أطفال إشتركنا نحن الأربعة في شيء واحد ، وهو أننا لم نبكي كالأخرين ، وقامت مدرسة الفصل بقراءة الأسماء ، وقالت كل مجموعة جالسة الأن سيظل هذا مكانها إلى نهاية العام ، ثم تم توزيع على الجميع أقلاماً ملونه وأوراقاً ليرسم كلٌ من التلاميذ ما يريد ، ووجدت زملائي الثلاثة مثلي تقريباً ، ومرت الأيام وأنا أشعر بالمتعة لإكتشافي هذا العالم الجديد عني ، وفي بداية الأسبوع الثاني وبينما أمي توصلني إلى باب المدرسة كعادة كل يوم ، فإذا زميلي في التربيزة ومعه أمه توصله أيضاً ، فقلت لأمي هذا يجلس معي على نفس التربيزة ، فتقدمت أمي إلى أم زميلي للتعرف عليها ، وكان الزميل هذا يسمى منير ، وبينما أمي وأم زميلي منير يتبادلان معاً التليفونات ، إلا وحضر الزميلان الأخران مع أمهاتهما تعرفت أمي عليهما وعلى أم كل منهما ، وكان إسمهُما أحمد وعادل وتبادلت الأمهات التليفونات معاً ليتواصلن ، وحتى هذا الوقت لم أكن أعرف الفرق بين الأفراد إلا فرقاً واحداً ، وهو هذا ولد وهذه بنت فقط ، حتى وجود الأبيض والأسمر والأسود لم يكن يمثل فرقاً عندي ، ثم حدثت لي مفاجئه ، عندما رأيت أمي تهنئ أم عادل ومنير بالعيد ، فتعجب كيف هو عيد ولم تأتي لي أمي بالجديد من الثياب كعادتها كل عيد ، فعرفت أن هناك أطفالاً لهم ملة وأعياد أخرى يسمون مسيحين ، هنا دخل في قاموس معرفتي فرقاً آخر بين الناس ، غير بنت وولد ، وأن الولد قد يكون مسلماً مثلي ، وقد يكون مسيحياً مثل عادل ومنير ، وكذلك البنت فتوجد بنت مسلمه وبنت مسيحية ، وكنت دائماً كثير الأسئلة لأمي ، فعرفت منها أن المسلم يذهب إلى الجامع ليصلي لرب واحد وكتابه هو القرآن الكريم ، وكذلك المسيحي يذهب إلى الكنيسة ليصلي لذات الرب الواحد وكتابه الإنجيل المقدس ، وأعلمتني أمي أن المسلمين لهم نبي هو خاتم الأنبياء إسمه محمداً ﷺ ، وأن المسيحين لهم نبي كريم هو المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) ، والنبي محمد ﷺ والنبي عيسى عليه السلام أخوة ، والإثنان جدهما هو أبو الأنبياء إبراهيم عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، وأكتفت أمي أن تكون المعلومه فقط هكذا حتى لا يختلط الفهم عندي ، ومن أسئلتي لأمي مثلاً لماذا يأتي عيد بعد أن نصوم شهر رمضان ، نصنع فيه الكعك ونلبس الجديد من الثياب ونسعد ، وآخر يأتي فنذبح فيه ونأكل اللحم وهذا العيد ثلاثة أيام ، والعيد الأخر أربعة أيام ، وكانت أمي شديدة الذكاء فكل كلامها عندي كان مصدقاً ، قالت لي بإبتسامتها الهادئة بعد تعب الصيام نفطر ويكون عيداً ، والناس تحج إلى الكعبه بيت الله الحرام في مكه المكرمه ، شكراً له على أفضاله ، وتفرح فيكون هذا عيد عند من حج وعند من لم يحج ، وكما أن يكون لك أخ أصغر وأنت الأكبر كذلك الأعياد هناك عيد صغير ثلاثة أيام وآخر كبير أربعة أيام ، ولما كبرت عرفت حتى أصحاب الملة الواحد ينقسمون ففي الإسلام مثلاً أكبر قسمين سنه وشيعة ، حتى داخل الشيعة هم ينقسمون ، والمسيحية منهم الأرذوكس والكاثوليك والبروتوستنت وداخلهم ينقسمون أيضاً ، فتربيت على إحترم الإختلاف بين الخلق ، فلكل مجموعة معتقد وأنا أحترمه وكذلك يجب أن أفرض إحترم معتقدي بسلوكي على الأخرين ، حتى يحترم هو معتقد الأخرين ، فالإختيار للملة متاح بلا إكراه ، ثم سيقف بعد الموت الجميع أمام الله الحق خالق كل الملل والمعتقدات ويحاسب كل هؤلاء بعدله وبفضله ، والفعل مع الأخرين هو ما يعبر عن ما عندي من صدق ملة ومعتقد ، فالملة علاقة بيني وبين الله سبحانه وتعالى ، وملتي ستنعكس على المعاملة مع الأخرين ، فأنا لي ملة وللأخرين ملتهم ، ويكفي أن يسود بين الجميع علاقات محبه وإحترام ، وعرفت أنها إرادة الله ولذلك خلقهم مختلفين ، في اللون واللسان والشكل ، وأن كل ملل الدين هي لدين واحد منذ خلق الله آدم عليه السلام وهو التوحيد ، وفجأة وبلا برهان إيمان بل بفكر مغلوطة ، خرج على الناس من يقطعون الرؤس ويهَجرون النفوس من ديارهم بلا ذنب ، إلا أنهم يعبدون الله كما يرون ، ويدعون أنهم على الحق وصحيح الدين ، وإنهم (أوصياء على دين الله) ، وكأنهم حراس العقيدة بتوكيل من الله سبحانه وتعالى ، فتسألت مرة كيف يسمح الله أن يعيش في ملكه مختلفين في ملل الدين ، ويرزقهم ويطعمهم ويسترهم ، بل وتشرق عليهم جميعاً كل يوم شمسه ويمُدَهم بهوائه، ويكونوا في ملك صاحب الملك آمنين ، ثم يأتي رعاع من البشر ويفعلوا ما لا يُرضي صاحب كل هذا الملك ما يُفعل بعبيده ، ويقولوا نحن فقط المؤمنين ، وفي الحقيقة هم من أخبر عنهم الصادق الأمين محمد ﷺ (خاتم الأنبياء والمرسلين) ، أنهم خوارج هذا العصر كلاب أهل النار ، من يقتلون أمان الآمنين لا يعرفون شيئاً عن مراد رب العالمين ، (إدعو الي سبيل ربِكَ بالحكمه والموعظة الحسنه) ، فإذا دعوت بغيرهما ، فأنت لا تدعو لسبيل ربك بل تدعو لسبيل غيرك أو لسبيل نفسك ، (ولا إكراه في الدين) ومن أكره فإكراهه مخالف للملك صاحب هذا المُلك ، لذلك أُطلق عليهم حديثاً لفظة الإرهابين ، والحقيقة هم تكفيرين لأنهم يكفرون الناس بعلمٍ مغلوطة ، فهمت هذا وأن الإسلام هكذا تسامح وسلام من صغر سني ، فأخذت أهاجم في الصحف عندما كبرت ، وحتى كلما سافرت خارج مصر وسُئلت عما يفعله البعض بإسم الإسلام ، كنت أقول هذا ليس إسلام رب العالمين بل هذا إسلام عبدة الدولار عملاء الصهانية والمستعمرين.

♠ ♠ ♠ ا.د/ محمد موسى
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏

عن الكاتب

قادح زناد الحروف

التعليقات

طباعة ونشر وتوزيع ، ظهور إعلامي ، ورش أدبية
اشترك بالعدد الجديد من مجلة القلم الورقية للتواصل والاستعلام / 0020102376153 واتساب

اتصل بنا 00201023576153 واتساب

شاركونا الإبداع

جميع الحقوق محفوظة

دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع