وقف هذا الرجل فى صمت رهيب وكلماتها تضوى فى أذنه حتى أختفت . سارت العجوز بخطوات متعبة متأرجحة ما بين الحياه والموت لا تدرى إلى أين تذهب حتى إجتاحها الجوع والعطش فأدركت مطعما فى إحدى الشوارع فوقفت أمامه تنظر إليه وكأنها لا تستطيع الاقتراب فهى خالية من أى نقود ولكن عزة النفس تمنعها من أن تمد يدها للسؤال بعد أن كانت عوناً لكل من يعرفها أو لا يعرفها فوقفت تتأمل على استحياء حتى رآها صاحب المحل فطلب منها الابتعاد عن هذا المكان. وتعود تلك العجوز لمواصلة سيرها دون أن تتفوه بكلمة ولكن دموعها قد خرجت من محبسها لتتساقط كمياه المطر باكية وليست نادمة على ما قدمته من يد العون للجميع ولكن إذا شاء القدر لا يستطيع إنسان أن يغيره. وسارت العجوز تتجول من شارع إلى شارع ومن مكان إلى مكان وهى لا تعلم إلى أين هى ذاهبة حتى لمحت مبنى يكتب عليها دار للمسنين فهدأت العجوز وإطمأنت بعض الشىء لقد وجدت أخيراً مكاناً يأويها ويروى ظمأها من العطش وبسرعة دخلت ذلك المبنى لتقابل المسئول عن الدار وإذا بها سيدة ممتلئة الجسم صوتها عال أجش تجلس على مكتبها فعندما دخلت عليها العجوز وقبل أن تتفوه بكلمة سألتها.
ماذا تريدين ؟
فأجابت العجوز فى خجل وكأنها تتوسل إليها أريد الاقامة هنا.
هل معكى أحد من أولادك أو أقاربك ؟
لا . فليس لى احد أيتها السيدة الطبية .
هل معكى نقود لسداد مصروفات الدار ؟
لا . ولكن ...
ولم تجعلها تكمل قالاً فى غلظة. لا أريد أن أسمع حكايتك إذهبى وابحثى عن مكان أخر.
وخرجت العجوز لا حيلة لها تجر قدميها لتبحث عن مكان آخر به ماء فالعطش يقتلها وإذا بها تجلس بجوار أحد المقاهى تنتظر أحداً يروى ظمأها وإذا بشاب يمر أمامها فتنادى عليه بصوت يملأه الخجل وهى تطلب منه أن يأتيها بكوب ماء فأتى إليها هذا الغلام بكوب ماء فشربت وحمدت الله ثم شكرت الغلام ثم همت لتواصل سيرها إلى لا مكان وكأنها تبحث عن المجهول حتى وصلت إلى دار أخرى للمسنين ولكنها لاقت نفس مالاقته فى الدار السابقة فخرجت وهى تشكى إى الله حالها والدموع تنهمر من عينيها وهى تسير بجسد منهك وقلب يعتصره الالم فى نفس الطريق الذى أتت منه فهى لم تعرف غيره حتى وصلت إلى نفس المكان الذى باتت به بالامس فوضعت جسدها على الأرض وقد فوضت أمرها إلى الله ثم أغمضت عينيها حتى لاح الصباح وإذا بنفس الرجل تقع عيناه عليها مرة أخرى فتوجه إليها وهو يتعجب لتلك المرأة العجوز فأراد أن يوقظها ولكن جفناها لم تتحرك وقد توقف قلبها عن النبض لقد أيقن تماماً بأنها قد فارقت الحياة فإنزلقت الدموع من عيني هذا الرجل فأخذ يبكى وهو يستغيث بصوت عالى لعل احداً يدركه وأثناء هذا البكاء وهذه الاستغاثة فإذا به يفيق من نومه فى فزع ليجد نفسه على فراشه فنزل سرعاً متوجهاً إلى غرفة أمه فوجدها تغط فى نومها فأخذ يقبل رأسها ويديها ثم عاد إلى فراشه وهو يدعوا الله أن يحفظها له ...... تمت
بقلمى.عبدالنبى عياد
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة