باتت كلمة الأرهاب كلمة متداولة و اكثر مما نتصور بين العامة وحتى في المجتمع الطفولي الذي ينغمس رويداً رويداً في خندق العنف .
الإرهاب الناعم أشد فتكاً بمحتمعاتنا من ذاك الإرهاب الذي يسوق لنفسه بالذبح و القتل ...فهو يأتي كما حية هادئة تتسلل بين الأوراق بذات لونها و فجأة تلتهم فريستها دون قلق ....الأطفال بين مطرقة الحرب و سندان الوباء يعانون الأمرين ....واقع يحاصرهم بالفقر و المرض و شاشات تطالبهم بالبقاء في البيت و هذا الأخير ليس بخيارهم فهو متروك للقنابل و الأسلحة الفتاكة .
وفي هدوء الحرب المخادع تتسرب رسائل الإرهاب و يقرأ الصغار مضمونها بلا وعي و تتناقل بينهم بلا مشقة و ينفذوا المطلوب بحنكة و حرفية .
الحرب تدمر الجانب الحضاري للدول و بالمقابل تدخل سلاحها الآخر الذي يمتاز بالنعومة و التبسم ....مساعدات و تكنولوجيا ....المساعدات تدفعهم للتعلق بكرم العدو والبحث عنه ....والتكنولوجيا تسرق عقولهم و وقتهم و طفولتهم و تتركهم باحثين دوما عن كماليات العيش وهم في احلك الظروف لنقص الأساسيات.
الإرهاب الناعم ككل طرق الحرب يبث الخوف و القلق في محيط الشعوب التي تصاب به كشعوبنا العربية التي تشتهر بالحرب و الشتات ....فهو يعتدي على البيوت دون أن يرفضه أهل البيت ....فتجد بيت وعائلة و تجد جذراناً و شتات ....ورقة العائلة تجمعهم و الهواتف و الاجهزة الالكترونية تفرقهم ....الكل يعيش فوضى الوقت ....فوضى الأشياء وبالتالي فوضى التفكير و فوضى المشاعر ....لا اهمية للوقت فالكل يشعر بأنه مزدحم وهو فارغ ....مشغول وهو يعاني البطالة ....مبرمج ليومه وهو مسلوب البرمجة....يبحث عن اشياء بداخله لا وجود لها ويتناسى اشياء بجانبه لا غنى عنها .....و لولا فضل بعض النوائب لمات الجميع ابطالاً بجوار بنادقهم الجوالة ...
النسيج الاجتماعي متخبل الخيوط أو حتى مهترىء والكل يرفض التسليم بذاك ....لم يعد هنالك معنى لدور أب ولا أم ....لم يعد الأبناء ابناء وحتى انقلبت الأدوار بينهم فبات الطفل المراهق يقرر حياته وفقاً لمتطلبات الشارع اليومية و لايلقي اهمية للبيت ...لأنه بنظره مكان للأكل والنوم او حتى ربما فقد هذه الوظائف إن وجد سبيلاً لسد احتياجاته ....
البيوت تمتلىء بهيئة العائلة و العالم الإفتراضي يعج بعوائل التبني والتي اعني بها مجموعات غسيل الأدمغة و التجنيد عن بعد و تغيير الأفكار و برمجتها ...تبديل القناعات او حتى الديانات ....هكذا يفعل الآباء ...يسجنون الصغار بالبيوت و اكبر اعدائهم قرين لهم ....و يخافون من اختلاطهم خارجا وبالداخل هم يعيشون حالة من الإرتهان فكرياً و سلوكياً ...وبالتالي كلما ظهر نمط للسلوك اثار غضبهم يستعينون بالعنف ...وحين يواجه العنف بالعنف والخطأ بالخطأ فنحن في دائرة الإتساع للهوة الإجتماعية والنفسية بين الأجيال وهذه بحد ذاتها كفيلة بقتل الجاني والمجني عليه فيها ....بحيث الكل يعتبر نفسه الضحية التي على صواب ولا ينظر لمن امامه الإ كخصم يجب مقاومته بشتى الطرق المتاحة فتكون الغاية للوالدين نبيلة ولكن اسلوبهم خاطىء و تكون الغاية للأبناء ايضاً ولكن الأسلوب أسوء وتبقى معركة اثبات الوجود قائمة حتى ينتصر الأبناء بخروجهم عن دائرة المستطاع وحينها يمنح الآباء انفسهم براءة الذنب لأنهم بدلوا ما بوسعهم و الظروف كانت اقوى والواقع كان اعنف ....مبررات و حجج ربما تريحهم من تأنيب الضمير و للآسف سيدفع المجتمع ثمن عجزهم ...لأن من خرجوا للشوارع قد لايكتفوا فقط بمعاقبة اهلهم بل يتمادوا لمعاقبة مجتمعهم وهذا هو الإرهاب الذي أردت الوصول له ....نتاج اسري مضطرب و سلوكيات عشوائية تحرق المجتمع لأنهم جندوا في غفلة عن اهلهم داخل البيوت ...فصاروا عدواً شرس و حبيباً مريض و هذا أسوء الأشياء التي تحدث ....أن يقتلك ابنك و يحرق وطنك ابنك و يبيع تاريخك بأبخس الاثمان ....
معادلة الإرتهان الثقافي و الخنوع الفكري و التسليم العاجز بالفشل دون محاولات أو عناء .
الإرهاب الظاهر يقاومه الشعب بكل ما اتيح له و بقوة عزم لا تستكين ولكن الإرهاب الناعم المستتر يكبر ويكبر و نحن نرعاه غافلين ...حتى ينقلب سحر محبتنا علينا ......فالحب والحرص لا يعني التجهيل والكبت أو العزلة المجتمعية ...والحماية المبالغ بها لا تنتج الإ فوضى ترهق العوائل ثم تخرب المجتمع .....
جميعنا مسؤول عن محاولة العلاج ...عن المشاركة بلملمة الشتات ...عن تعليم الأهل قبل اولادهم معنى تغير الحياة وتطور الأساليب ...حتى لا نكون مجتمع تقليد و روتين و رتابة نتائجها كهذه التي نراها اليوم ولنطرد الإتكالية والعواطف الممرضة ونحن نربي الأجيال حتى لا نكون أول ضحاياها .....فالإرهاب لا دين له ولا حد لدماره خاصة ذاك الدمار النفسي الذي يلحقه بالجميع دون تخصيص ....المشترك بالجرم والمتفرج على الجرم و المستهتر بالجرم وحتى من لا يفقه معنى الجرم ....
الإرهاب الناعم عدو مستتر يعرف من أين تؤكل كتف النسيج الاجتماعي وبالتالي كيف يصيب المجتمع في مقتل لا ينهض منه ربما حتى عشرات السنين.
.....وللحديث بقية
# الباحثة ناجية الصغير عبدالله
ليبيا
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة