إذا كان الكلامُ من فضةٍ فالسكوت من ذهبٍ ، نَعَمْ الصمتُ من ذهبٍٍ في الكثير من الأحيان ، فهو هيبةُ الرجالِ وزينةُ
النساءِ ، به تُصانُ الألسنُ من الأخطاء ، والقلوبُ من الأحقاد ، ويحتفظ المرءُ
بهيبته ووقارِه ما التزم الصمتَ الإيجابي ، وبه ترتسمُ على المرأة هالةٌ من البهاءِ قَلَّما تجدها عند غيرها من الثرثارات .
يقول سيدنا عمر بن الخطاب : ندِمتُ على الكلامِ مرات ، وما ندمت على الصمت مرةً ..! .
أَمَا ترى الأُسْدَ تُخشَى وهي صامتةٌ
والكلابَ تُخشَى لعمُـرِيَ وهي نبـاحُ
فزينةُ المرءِ التكلمُ بالصمت نعم فهو أفضلُ جوابٍ على كل سؤال .
وقيل : " أولُ العلمِ الصمتُ ، وثانيه حسن الاستماع، وثالثه حفظه ، ورابعه العمل به ، وخامسه نشره " فكان الصمتُ أوَّلَـه فهو فنٌ من فنون الكلام لمن يَعِيَ ذلك جيداً .
فالكلامُ كالدواء ، القليل منه ينفع ، وكثير ه يقتل ، ودواؤه الصمت ، فلغةُ الصمت تطحنُ عِظامَ الأقوياء لأنه بِصَمْتِك قد جهلوا قوتَك فما زالوا يهابونك ، وليس كلُ صمتٍ رضا كما يزعمـون .
فهناك صمتُ زَهَـقٍ :
لأن كلامَك لن يُغيِّرَ شيئاً في فَهم مَنْ تحاوره ، وقد استنفَذْتَ كلَ مداخلِ النصحِ والإرشاد دون جدوى ، ودون تقديرٍ ، فالإصرارُ والعناد طريقه، والكِبْرُ والغطرسة مسلكه ، وقد بال الشيطانُ برأسه ، مقتنعاً بأوهامه ، مقتاداً لأفكاره .
صمتُ زُهـدٍ :
زُهدٌ في الشخص الذي تُوجِّـه له الكلامَ ،فهو ما عادت تُجدي معه نصيحة ، ولا يأبه للومٍ أو عتاب ، كل ما تقولُـه يُقنِعُ الحجرَ الصوٌَان وما يقنعه.
صمتُ صبـرٍ :
على أمل أن يتغير الحالُ ، ونعطي فرصاً وفرصاً لتغيير المفاهيم، وفهم المضامين ، واحتواءِ الأزمات ، وقبولِ الصدمات ، والبقاء على هذا العزيز الغالي لديك .
صمتُ أصـلٍ :
حتى لا تُحرِج من أمامك لأنك ستُوجِعَهُ إذا تكلمت ، وتؤلمه إذا صارحت ، وتُصفِّر وجهه إذا أطلت وشرحت وفسَّرت .
صمتُ تفاوضٍ :
ويكون في دائرة نقاشٍ أوحوار ، وأنت بمجلسٍ ما ، ثم تقول شيئاً وبعده تغلق فمك ، وتدعُ الآخرَ يدرس كلامك فصمتُك هنا يدل على أنك واثقٌ فيما قلته ، فليفكر هو فيما شاء وكيفما شاء .
صمتُ احترامٍ :
وتكون في حوارك مع غيرك غير مقتنع بكلامه الموجَّـه لك فتصمت احتراماً لسنهِ ، أو مكانتِه ، أو تصمتُ خوفاً من قطيعته محترماً إياه في كل ذلك ، وليس فقراً في الردِّ ، ولا عجزاً عن المجاراة.
صمتُ قهرِ :
ويكون عندما تتعرض لجُرحٍ مؤلمٍ من أحدِهم بسبب تعاسةٍ حدثت لك منه ، أو خيبةِ أملٍ سببت لك جُرحاً في القلب ، فتصمت على قدر ما بك من وجعٍ ، وبداخلك صرخاتٌ تعانق السماء مراً ، وتدقُّ الجبالَ عنفاً ، وتهزُّ الأرض ألماً ، وتعكِّر البحارَ كسرةً ومرارة .
صمتُ رضا :
وهو صمتُ الإقـرارِ والموافقة ، وهذا ما كان يفعله المصطفى " صلى الله عليه وسلم " في الكثير من مواقف الصحابة التي كان يستحسنها فيصمت رضا وإقراراً بها ، وسميت بالسُّنَّةِ التقريرية .
ومنه أيضاً صمتُ الفتاةِ البِكْرِ عند استئذانِها في الزواج ، فصمتُها موافقةٌ ورضا وإقرار .
وأخيراً صمتُ جلالٍ :
صمتٌ تتجلى عليه الهيبة والوقار والإجلال والإكبار والاحترام ، صمتٌ يفرض على الجميع الترقب والانتظار والإنصات ، صمتٌ تعلوه العظمة المستمدة من صاحب العظمة ، صمتٌ ينطقُ كلَ الكلام ، ويشرحُ كل المفردات ، ويبوحُ بكل المكنونات ، صمتٌ عليه تاجُ الملوك ، وبهاءُ الحسناوات ، وشموخُ العظماء ، وفِكرُ العلماء ، وهذا الذي كان يتصف به نبينا المصطفى " صلى الله عليه وسلم" فكان نطقُه ذكراً ، وصمته فكراً.
.......................
فهلَّا تحلَّينا بالصمتِ ؛ لنحافظَ على شموخِنا، وهيبتنا مادام الموقف يتطلبُ ذلك ؟! .
.......................................................
بقلمي : عبد الناصر سيد علي
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة