دخل إلى نٓظارةِ المحكمةِ فتهافت على محادثته كل من هُم موقوفين فيها ( شو قضيتك ) وبما أنهم قالو قضيتك فهذا يعني أنهم يتحدثون بلغة القانون، وهنا يتسارع الجميع في توكيل أنفسهم كمحامي دفاع عن الدخيل الجديد .
يبدأ الجميع بالاستماع وتقديم الدعم النفسي و المعنوي للدخيل الجديد، وتتساقط عليه ألوان التأييد ومشاعر الاستنكار لما حدث معه، ويبدأ بنسج الحكاية كما يُريدُ إيصال فحواها ( فيصبح هُوٓ المؤلف والمنتج والمخرج أيضا ) ولوهلةٍ تظنُّ أنّٓ القاضي سيعتذرُ منه لما يمثل بين يديه وسيقبِّلُ رأسه وسيوبخُ جميعٓ الذين كانوا السبب في إحضاره ؟!
وبعدٓ هذا الدعم الذي قلّٓ نظيرهُ يتشجعُ الدخيل الجديد ويبدأ باستشارة أهل الخبرةِ - منٓ الأسياد - الذينٓ ظلمهم سوء الطالع وتواجدو في مكان الاحتجاز المشئوم طٓمعٓا في الاستفادة من تجاربهم حول ما هو متوقع من حكم القاضي عليه ( ومجددا تنهال عليه التخفيفات والتهوينات والتطمينات ) وأنّٓ أموره لا تستدعي القلق أبدا .
وقبلٓ أن ينعمُ الباشواتُ بلحظات هدوء لا طعم لها ( لأن الجميع ينتظرُ ذكر اسمه للحظة المواجهة المصيرية بلقاء القاضي )، - وفجأة وبدون مقدمات - يلتفتُ داعمو الدخيل الجديد إليه متساءلين ( هل تُدخن ) فإن كانٓ مدخنا وجبٓ عليه دفع المقابل للتأييد والدعم النفسي الذي حصلٓ عليه منهم، فيبدأ برش السجائر هنا وهناك عله يكافئ المعروف الذي تلقاه منهم .
( لحظة من فضلك ) طٓرْقُ نِعال السجان يقترب من نٓظارةِ هؤلاء، أين فلان الفلاني - نعم سيدي - قم لتجهز نفسك للمثول بين يدي القاضي، هنا ينتفض الدخيل سريعا عن صحبه الذين كانو قبل لحظات يشكلون له درعا من المحامين بل والقضاة، وينطلق مسرعاً لتلبية أمر المنادي ويبدأ بلملمة أغراضه ويمدُّ يديه نحو الأصفادِ امتثالا لطلب السجان ويُجٓرُّ نحو المواجهة جرّٓا .
القاضي : هل أنت مذنب ؟ نعم يا سيادة القاضي .
( نٓعٓم ) وأين ذهبت صيحات الاستنكار والتطاول التي كنتٓ تجئرُ بها قبل قليل، ولمٓ كُنتٓ تؤدي مثلٓ هذا الدور وماذا جنيتٓ من تمثيله، عندها فقط يذوبُ المكياج وتخنس همسات الاستعلاء وتطغى صيحات الترجي والاستجداء ومظاهر المسكٓنة طمعا في التخفيف وأملاً في في استرحام قلب القاضي .
أدوارٌ وهميةٌ لمناصرينٓ يبيعون الكلام بدون القلق بأبعاده لإنهم لن يُحاسبوا عليه، واستغاثاتٍ من عارضي مظالمٓ يعلمون أن مجرى الأمور لا يحدث كما يصورونه أو يتصورونه أو يُروِّجونه ( ولئن سمعتٓ لأي متظلِّم فإنكٓ ستقفُ على ألوانٍ من الهذيانات والهلوسات والهسهسات التي تُشيرُ صراحةً إلى تصوراتٍ عقليةٍ يشرخها الإنفصامُ عن طبيعةِ الواقع والتصرفات المقبولة فيه ) .
أخشى أن أقول أن الدراسات المسهبة في ميادين علم النفس والإرشاد والتوجيه والخدمة الاجتماعية ما زالت ضيفةً على البساط النظري فقط، وأنها لم تٓعقدُ العزم بعد لزيارة البساط العملي في الحياة !!.
وأن كثيراً من التصورات أودت بسنينٍ من الأعمارِ خلف قضبان السجون - وحتى لو تغيرت - لمّٓا يغادرون تلكٓ السجون فإن الأوان قد فات، وإنًّ قوانين المجتمعات لا تغفر ولا ترحم ولا تنسى !
( هيصة المساجين ) وما أدراك ما صفات تلك الهيصات، ولكم آلمت القلوب وشقّٓت الصفوف وأفسدت المزاج وأشعلت في دولنا أسىً هيهااااات أن يزول من ذكرياتنا ؟؟.
بقلمي
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة