لكل دعوة سماوية شهداء. والدين ليس حكرا على أحد، الدين لله وحده فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. والله سبحانه وتعالى يسمينا عبادا مهما كانت الديانة أو لم تكن، لأنه خلقنا لنعبده نواصينا بيده يحكم فينا بحُكمه وحِكمته. وفي العبادة أسرار بين الله وعبده. هناك الضمائر وهناك السرائر وهناك النوايا وهناك الخلجات.
هناك ما يسمى عبادة السرّ أو الخبيئة، وهي التي يقوم بها العبد في خلوة بينه وبين ربّه لا ثالث لهما، فهي الحرث الذي لا يفسد، وهي خير زاد للإنسان في آخرته. وهي خير ما يتوج به العبد المحب العاشق لله تعالى، الذي وصل إلى مرحلة من المراحل الخفية التي يختص الله بها بعض عباده نضير صدقه وإخلاصه الجوهري، وفي ذلك علامةٌ على محبّة الله عز وجل، وعلى الإيمان المطلق به. وتكون الخبيئة أكثر أجراً وأعظم أثراً، وسر ارتقاء الإنسان ونيله الجزاء الأعظم.
قليلون هم الذين يفهمون أن العلاقة بين الله والعبد لا تحكمها الظواهر أو الطقوس أو أنواع العبادات المفروضة أو المؤكدة أو المسننة أو المستحبة أو الجائزة أو المرخصة. هناك عبادة أسمى هي جهاد النفس والإخلاص لله. فهناك من يقوم بكل تلك العبادات التي ذكرت، لكنه يقوم بما ينسخها. فكل ذلك يثبته العمل الشريف والأخلاق الحميدة والمعاملة الحسنة. فالدين المعاملة. وكل الديانات تحث على المعاملة الطيبة والمعاشرة النبيلة والأخلاق الحميدة والمحبة الخالصة الخالية من النفاق والمجاملات الزائفة.
ليس أسهل من الدين في التطبيق الظاهري. لكن الدين صعب جدا على من لا يدرك المغزى من العبادة. فالمغزى من الصلاة مثلا تنظيم الحياة وتهذيب النفس والخنوع لله العلي العظيم. والمغزى من الصوم هو تربية النفس على الإحساس بالآخرين وترك المعاصي، فيقلع الإنسان الصائم عن الخمر والمجون والعادات السيئة، ليتعود على حب إصلاح الذات والرقي بالمجتمع. وكذلك الزكاة التي لها علاقة مهمة بالصوم. والحج اجتماع أمة، فإبراهيم عليه السلام كان أمة وأعاد بناء الكعبة لتجتمع إليها الأمة. فكل الرسل والأنبياء حجوا إلى البيت الحرام ودعوا إلى الحج إليه. وجاء محمد عليه الصلاة والسلام ليجمع الأمة في دين جامع وشريعة موحدة.
ليس هناك سلفيون ولا مجددون في الدين. الدين واحد مقنن ومسطر ينبذ الطائفية والمذهبية والتحزب، لأن في ذلك تفرقة واضطراب وهلهلة تتيح الفرص للمخربين والأعداء أن يدبروا للطعن فيه وتشويهه. ألم تر كيف حوروا مفهوم الجهاد وأصبغوا عليه مفهوم الإرهاب كيدا من عند أنفسهم !؟ ألم تر كيف يحوّرون معاني دينية ويختصون بها البعض دون البعض الآخر !؟ يحكمون بين الله وعبده وهم لا يعقلون. فليخبرونا مصائرهم إن كانوا يعلمون.
وليغفر الله لي ولكم.
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة