تتأهب الشمس للرحيل تاركة خلفها جنود الاحتلال مدججين بالسلاح يسعون في الأرض خراب ودمار وبكاء وعويل ، وعيون كانت تتوسم أن تجد طريق أمن يقربها من أهلها القاطنين خلف الأسلاك ، وقلب ينزف دما على المسجد الأقصى ، ويدان لا يستطيعان حمل أكثر من قطعة حجر تقذف بها المحتل وتفر هربا من الرصاص هنا وهناك .
فتاة وجهها بلون الشمس ، قلبها بات كأطلال مأذنة لا تستطيع الآذان ، عيناها يترقبان الموت او الآسر او الإعتقال فلا أحد هنا ينجى من رائحة الضياع ، هكذا كان حالها لسنوات تحاول أن تفعل شيء تقاوم وتسجن ويطلق سراحها حتى أصبح حضن الوطن مستحيل .
كان القمر بدرا يعكس ضوء الشمس على أرض محتلة فتظهر كلؤلؤة على سطح ماء جلية للناظرين ولكن لم يتسلل ذلك الضوء لعقول وقلوب خانعة راكعة فيهم من باع وخان وفيهم من جاهد واستشهد وفيهم من يحاول ولكن لم يستطيع لضعف قدراته العسكرية أن يقاوم عدو يمتلك من القوة الكثير، وكأن الحياة هنا صارت كمقبرة للأحياء .
في داخل غرفتها الصغيرة ذات الحوائط المرتعشة جلست على كرسي لا يقوى على حملها وبدأت تنظر هنا وهناك من نافذة تطل على الشارع وصوت طلقات الرصاص ينشط أحيانا ويختفي أحيانا أخرى وصوت الصراخ يملأ المكان ويمزق القلب ضعفا وخوفا من ما هو منتظر بعد لحظات، وخوفها المزمن من ان تقع في أيدي العدو مرة أخرى فيزيد الطين بلة وتتسع الجراح وتتعالى صرخات الوجع في عالم يتهئ للاحتفال بأعياد الميلاد ومضاجعة النساء والرقص فى الحانات والبارات فلا أحد يسمع وعليها أن تلتزم الصمت وتتحمل.
أحضرت حقيبتها ، وضعت اغراضها ، أعدت فنجان من القوة يشعرها بالدفئ رغم حرارة الجو وربما ينعش العقل ويجد مخرجا، او طريقة تجعلها فى مأمن عن بطش جنود الاحتلال ، دقائق مرت كسلحفاة عرجاء صوت الجراح تبكيها إلا أن النوم بدأ يتسلل إلى رأسها وهي تقاوم وعندما تغلب عليها نامت كجثة هامدة .
بعد أيام استطاعت الهرب إلى إحدى الدول العربية المجاورة في شاحنة حتى وصلت إلى شقيقها الذي سبقها هو وزوجته منذ سنوات وظنت أن الحياة ابتسمت لها من جديد وعليها أن تنسى الماضي الأليم، مرت أيام وشهور
فتح فيهما الإكتئاب بابه السحري لها كى تهرب من قسوة زوجة شقيقها فظلت منعزلة فى غرفة لا ترى الشمس لمدة عام كامل حتى علمت باغتيال شقيقها فقررت العودة وأيقنت أن إحتلال الأرض أهون عليها من إحتلال الإنسان .
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة