مرت مدة (الشهرين) المحددة و التي حددها شيخ العشيرة لإتمام زواجه من "خولة" السيدة المتعلمة و الحاصلة على الشهادة الجامعية و التي ظلت بلا زواج حتى سن الخامسة والثلاثون دون أن يتقدم لزواجها أحد من أبناء عشيرتها.
مرت مدة الشهرين سريعة خاطفة على قلب و إحساس" خولة" فهي لم تكن ترغب في الزواج منه لأن هذا امتهان لكرامة المرأة ،فكيف يشار إليها على أنها سلعة أو متاع تشترى و تنقل من بيتها إلى بيت رجل لا ترغب في الزواج منه.!!!
أتى اليوم المشؤوم على "خولة" و كأنها ستساق إلى الجحيم أو إلى الموت!!
لا تحمل في نفسها بهجة أو فرحة ككل العرائس!!
بل تثقل وجدها بالحزن و الكآبة . إنه يوم حزين.
أتت قوافل العشيرة و على رأسهم شيخها العريس المنتظر!!
أتوا بالسيارات و الأعلام و الطبول و عازفي الموسيقى لإضفاء مظاهر الفرح!!!
تقرع الطبول و تعزف الموسيقى و يرتفع صوت الغناء.
تستقل "خولة" مع زوجها شيخ العشيرة السيارة،ويتحرك موكب الزفة من بيت العروس إلي بيت زوجها و كأنه موكب جنائزي و كأن سيارة "خولة " ك سيارة نقل الموتى التي تحمل النعوش إلى المقابر.
و كأنه آخر مشهد في حياتها ترى فيه خولة أناسي و أرض و سماء ، فبمجرد أن تصل إلى بيت زوجها فلن ترى حرية التنقل لتستمتع بضياء الشمس و لا نور القمر!!!
و لن تخرج من بيتها إلا ومعها زوجها الذي أكرهت على زواجه، الرجل الذي أسرها و استحوذ عليها قسرا كغنائم الحروب!!
و كأن البيت سيكون قبرا لها ؛فلن تستمتع بحياة كانت تحلم بها مع "إياد القاسم"
حين تخيلت أنها ستحطم أغلال و قيود و عادات و أعراف العشيرة الظالمة التي منعتها من الزواج من رجل أحبته من خارج العشيرة ، حتى ولو ظلت بلا زواج طيلة حياتها!!
كانت تتخيل في موكبها الحزين موكبا مغايرا تملأه الفرحة و البهجة لو كان من يجلس بجوارها هو "إياد القاسم "
كانت ستسعد بيوم طال انتظاره ،يوم استثنائي في حياتها ؛ حين كانت ستتمكن من الهروب معه إلى خارج البلاد...إلى بلد آخر مع "إياد القاسم "و يتزوجا على السنة و الكتاب؛ فقد كانا سيقضيان أجمل و أسعد الأوقات معا !
في بلد لا تسري فيه قوانين و أعراف العشيرة!!
كانا سيذهبا إلى أجمل الحدائق و الشواطئ و يمرحان ويضحكان ويجريان كطفلين غير مصدقين أنهما قد قاما بأعظم مغامرة في حياتهما!!
تفيق "خولة " من حلمها على واقع مرير. ؛حين عزفت الموسيقى اللحن الأخير و الحزين ؛ساعة أن نزلت من السيارة و يدها في يد زوجها و هي تتمنى أن تحدث معجزة لتوقف هذا العبث و هذه المهزلة، تمنت لو أن تنشق الأرض و تبلعها مع زوجها المغتصب لحريتها!!
ففي قناعتها أن الموت أفضل من زواج القسر و الإجبار!!
و أيضا في قناعتها ان هذا الزواج يحرم شرعا لأنه أغفل ركنا من أركان الزواج الصحيح و هو أخذ راي البنت و قبولها لمن يتقدم لزواجها!!
و بينما تسير بجوار زوجها في زيها الأبيض كما لو أنه كفنها!!
بدأ شباب العشيرة يهتفون بحياة العروسين ويرقصون و يغنون غناءا بلا روح و لاطعم و لا رائحة؛ فليس فيه نكهة الفرح والسرور!!
تطلق الزغاريد كما تطلق البنادق في آن واحد و كأنها طلقات لتشريف و رثاء الشهيد!!
و بينما يبدأ العروسين في دخول بيت الزوجية يدها في يده و الكل منهمك في إطلاق النار؛تخرج من أحد البنادق رصاصة طائشة إلى رأس العريس فيسقط مدرجا في دمائه!!
يسرع الشباب إلى نقله إلى أقرب مركز طبي و لكن كل شيء كان قد انتهى ؛لقد مات شيخ العشيرة و لم يهنأ بزواجه من "خولة" و كأن القدر قد تدخل لإنقاذ "خولة "من زيجة غير مرغوب فيها!!
و بعد انتهاء فترة الحداد تعود خولة إلى بيتها.
تتصل ب "إياد القاسم" و ترسل له جواز سفرها و تطلب منه إنهاء إجراءات السفر إلى بلد أجنبي!!
ينهي " إياد القاسم" إجراءات السفر و يعلم خولة عن تارخ و ساعة إقلاع الطائرة!!
و في الطائرة يتقابلا و يجلسا على مقعدين متجاورين.
تصل الطائرة إلى نهاية وجهتها و الدولة التي قصداها ، يتمما إجراءات الزواج في نفس اليوم
و تقام لهما حفلة بالفندق الذي نزلا به.
ينطلقا إلى الحدائق والمتنزهات و الشواطئ و المطاعم ليستمتعا بأجمل أوقات مرت عليهم على مدار العمر!!
لقد بدءا يتذوقا طعم الحياة و حلاوتها،حياة لاتنغصها أعراف و قوانين العشيرة التي أفسدت بهجة و فرحة "خولة"
و تبقى كلمة جديرة بالذكر:
فإذا كان القدر قد خلص "خولة" من زواج لم تكن ترغب فيه ؛ فإن هناك الآلاف مثل" خولة" يقبعون في الأسر خلف أسوار العشيرة و عادات و أعراف العشيرة!!
و إلى متى ستظل هذه الأعراف المكبلة لحرية الزوجين في اختيار شريك الحياه!!!
تمت بحمد الله
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة