قادح زناد الحروف للنشر والتوزيع قادح زناد الحروف للنشر والتوزيع

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة

صيصان مقلية بزيت طفاح حكاية بقلم علي الشافعي


       كنا ــ يا دام سعدكم ــ جلوسا في بيت العائلة الكبير حول الحجة أطال الله في عمرها, وأدام عليها نعمة الصحة والعافية, لتظل وكما عهدناها مصدر اللمات والجمعات . الحجة ــ أدام الله لمّتكم وجمع شملكم ــ والدة الجميع (أخوة وأولاد عم) , شارفت على التسعين , يشع نور الإيمان من وجها , تمتلك ذاكرة حديدية , ما زالت تحفظ الكثير من أغاني المناسبات من التراث الفلسطيني , فهي مرجع لنا في التراث وشاهدة على زمن النكبة وبلاويها , وهذا البيت طالما لمّنا وأحسسنا دفئه صغارا وكبارا, نحِنّ اليه وأظنه يحن كما تحِنّ الأم لاحتضان أولادها وسماع أحاديثهم وتساؤلاتهم وضحكاتهم .

          اعتادت ــ أمد الله في عمرها ــ أن تنتزعنا بين الفينة والأخرى من الروتين اليومي , وثقل العمل ومشاغل الدنيا وهمومها , تجمعنا عادة على مائدة العشاء , حتى يتسنى للجميع الحضور , فنعيش دفء الأسرة في البيت الكبير , وذكريات الماضي طفولة وشبابا , وتسعد هي وتتعامل معنا كما لو كنا صغارا , ونحن فعلا في نظرها صغار , رغم أن أصغرنا شارف على الستين . 
        كان الطعام هذه المرة منسفا على أصوله, صنع تحت نظرها وبإشرافها , السعادة تشعّ من عينيها : كلوا يمة , زيد لبن يا يمة ,ما رأيكم بالطعام , كلو لحمة بالهنا يمة , الله يرضى عليكم ويسعدكم , ويوفق أولادكم . كانت  فعلا جلسة مودة وصفاء , نتجاذب أطراف الحديث على الطعام نضحك  ونعلق ناسين أو متناسين كل ما هو خارج البيت.
          بعد القهوة والحلويات جلسنا نتسامر ونتحدث حديث الذكريات , كان من ضمن ما تحدثنا به موسم الخير والبركة ؛ موسم قطاف الزيتون  وعصره ,والمعاصر القديمة والحديثة , والفرق بينهما وكيف كان الناس يعصرون الزيت قبل المعاصر الآلية , قلت والله لقد ذكرتموني بتلك الأيام الجميلة أيام الطفولة والشباب , ثم التفت إلى الحجة وقلت لها : يا حجة ! أتذكرين زمن البلاد وموسم قطاف الزيتون وعصره ؟  وما رأيك بزيت الطفاح ؟ ضحكت واستجمعت ذاكرتها وتنهدت وأخذت تروّد :
حوطكم بالله شباب ملاح           عريسنا مثل القمر وضّاح
لعمل لكم بالسهرة يا عيوني            صوصان مقلية بزيت طفاح
       الفلاّحون يا أولاد يتذوقون الزيت جيدا , ويقرقون بين سهليّه وجبليّه ونوع شجره؛ نبالي أو رومي أو محسن  , كما يشتاقون للزيت الجديد من بداية تواجده في الثمرة ,ينتظرونه بفارغ الصبر ,  ويريدون الحصول عليه قبل أن يكتمل النضج وتفتح المعاصر , تماما في مثل هذه الأيام , فابتدعوا طريقة لاستخراجه تعلموها من القدماء قبل المعاصر الآلية , تسمى البدّودية كما في الوسط والجنوب , أو الطفاح كما في الشمال الفلسطيني ,أو الخريج كما في سوريا ولبنان . تساءل بعض من حضر قائلا: هذه أول مرة نسمع بهذا الزيت . قلت بإذنك ست الحبايب أكمل : أما أنا فأعرفه حقا وطالما عملناه أيام العز. فلهم ولكم لمن لا يعرف أقول صلوا على النبي :
            زيت البدودية أو زيت الطفاح، يعتبر من أجود أنواع الزيت والأغلى سعرًا، حيث يصل سعر اللتر منه بين 20 إلى 30 دينارا حسب المواسم , لما يمتاز به من نكهة خاصة، وفوائد صحية جمة   .  يجري تحضير هذا الزيت بعد عملية انتقاء حبوب الزيتون بعناية ووفق مواصفات معينة، فالحبوب التي تقطف للبدودية يجب أن تكون "كحيلة" أي ما بين الخضراء والسوداء , ومتوسطة الحجم. ومن ثم يتم حرق هذه الحبوب قليلا ؛ إما بوضعها داخل الفرن، أو من خلال وضعها داخل شبك خاص فوق النار, والبعض لا يستعمل الحرق مطلقا , وهذا حسب الذوق والطلب . بعد ذلك يتم طحنه وعجنه بواسطة حجر البد ، ومن هنا أخذ اسم البدّودية , والبد حجر أسطواني أملس ثقيل لهرس حبات الزيتون  , ثم توضع داخل قماشة خاصة ، يتم خلالها تصفية الزيت المخلوط بالماء  في وعاء يوضع أسفلها. بعد ذلك يجري عصر الزيت المتبقي داخل القماشة باليد، ومن ثم يوضع حجر فوق القماشة حتى يتم تصفية ما تبقى. يوضع السائل بعد ذلك في ماء مغلي التخلص من مرارة الزيت , عند ذلك يقفز الزيت إلى الأعلى حسب نظرية الكثافة , فالزيت أخف من الماء , لذا يطفو على سطح الإناء فتقوم النسوة بجمعه أما بملعقة أو براحة اليد , لذا سمي بالطفاح , وفي الغالب يؤكل في الحقل مع خبز التنور الطازج , وكذلك تصنع منه أكلة المسخن الشعبية أو صواني الصيصان أو الزغاليل أو لحم الضان مع البطاطا البلدية ذات النكهة المشهورة  في الطابون , ويا لها من رائحة زكية وطعم شهي. هذا الزيت له نكهة خاصة لا تخلو من عبق رائحة أجدادنا الأوائل لذلك حافظ بعض الفلاحين الفلسطينيين على تحضيره خلال موسم قطف ثمار الزيتون أيضا , بتناوله على الفطور مع الخبز الساخن، إلى جانب المأكولات الفلسطينية التقليدية .
              لزيت الطفاح فوائد جمة لخارج الجسم وداخله ؛ أما الخارج فللبشرة والجلد , وأما الداخل فلسائر البدن : أما الخارج فللبشرة , فهو مُغذ طبيعي  يعمل على تقشير البشرة وتنظيفها بشكل عميق , مُحفز ومنشط ومرطب, لغناه الكبير بمضادات الأكسدة. وزيت الطفاح  مغذ للشعر ويقي بشكل كبير من سرطان الجلد كما يقولون , ومقاوم ومكافح لظهور علامات التقدم في العمر والشيخوخة . ويخفي علامات الهرم أو الكبر ويقوم أيضا بتجديد خلايا الجلد بسبب احتوائه على فيتامين E.
          أما على سائر البدن فيحد من نسبة الإصابة بأمراض القلب بسبب احتوائه على دهون أحادية ليست مشبعة, ويمكن الاعتماد عليه في الحمية الغذائية لأنه يقوم بتخفيف الوزن, كما يقوم بمعالجة ضغط الدم المرتفع, ويُعالج الكوليسترول بالتقليل من نسبته. ويقي من الإصابة بمرض الزهايمر. يقوي العظام ويقضي على الاكتئاب. يعالج حالات الإمساك ويقضي على حصوة الكلى .
        وبعد ــ أيها السادة الكرام أقول : ما أجمل لمة الاهل والخلان ولقاء الأحبة , وما أحلى توافقهم , وما اطيب التسامح بين الأشقاء والتعاطف والتآلف والتّواد والتراحم , أدام الله هذه الجمعات وجزى الله خيرا من كان السبب ,شكرا للحجة والدة الجميع , شكرا للأيدي التي صافحت , وبوركت والأقدام التي سارت,  والألسن التي تقطر شهدا كلما تحدثت , كم سعدت بهذه اللمة المباركة , أسعدكم الله وطابت أوقاتكم .

عن الكاتب

قادح زناد الحروف

التعليقات

طباعة ونشر وتوزيع ، ظهور إعلامي ، ورش أدبية
اشترك بالعدد الجديد من مجلة قادح زناد الحروف الورقية للتواصل والاستعلام / 0020102376153 واتساب
نحضر الآن للموسم السابع من برنامج قادح زناد الحروف للتواصل والاستعلام / 00201023576153 واتساب

اتصل بنا 00201023576153 واتساب

شاركونا الإبداع

جميع الحقوق محفوظة

قادح زناد الحروف للنشر والتوزيع