كنت أظن أن كل ممن يؤدون ثمن فناجين القهوة للناخبين أثناء الانتخابات هم المنتخبون الذين يهرولون لأداء ضريبة الجهل ...وهم فقط من يفوزون في الانتخابات ويشرعون القوانين بالرغم من أنهم لا يفقهون في القانون شيئا...لكني رأيت اليوم أحدهم يقرأ مقالا ادبيا في جريدة سياسية وهو يحتسي قهوة بجانبي ... وبعد ان ألفت ظله واستأنست بنظراته الخاطفة التي كانت تجول المكان في زمن قياسي، سألني:
فقال : اليوم الجو حار..
- فأجبته : هو كذلك .. الخريف فصل صائف ..
سكت طويلا ، ثم قلت له : الا يبدو لك أن الكتاب الجدد جلادون للأفكار القديمة ..
وأن الكتابة لا تبني إلا قصورا من الشجون ؟
فكان رده : بل إن الكتابة هيام يحاكي قيام الصلوات ..
ثم سألته : وماذا عن المحاكاة ؟
قال : هي عدم الكفاءة ...
وتابعت معه الحديت : وهل ينحل كل النظام الجمالي في الرواية السياسية عندما يزفر القلب ؟
قال: هذا خيال مخزني..
في الواقع لم افهم شيئا مما كان يعنيه ، وتابعت اسئلتي :
- هل تتمتع بتبجل الادب ؟
قال : انه تقليد قديم للحياة ...
كانت معظم أجوبته تؤول الى الطريق المسدود ، لذا كنت أعيد نفس السؤال واستعمل ذات الطريقة :
-هل تفضل قراءة روايات تعيش خارج تخوم العقل ؟
فسألني : أتقول عن عقلانية تفسد الاحساس والشعر والحياة حتى ؟
تمهلت بعض الشيئ لأعطي لمحادثتي عنوانا على قدر من الجمال في اللحظة الحالية :
- وهل يعني الشعر انفصام الذات في تطور الرغبة؟
قال: انه شغف مذهبي ...
- هل الشعر ينور جوهر الطغيان ؟
فقال : إذا كان لا يطالب إلا بعصر الفائدة ...
- وماذا تقول عن فائدة تفسد الفكر ؟
قال : هي تيارات متضاربة فقط ...
- الا ترى أن موقعك يحجب عنك عاصفة الغبار التي تحول دون الرؤية بيننا .. فشتان بين هؤلاء وهؤلاء ..
قال : لا ، فقط إنك تعيش في مهاوي وعد وحدوي فاشل ...
- لكني أعرف من يخالفني ...
قال : ومتى ستنتهي عندك فترة الحداد ...
- لا لا لا ... أن تنتهي أو لن تنتهي ، الأمر عندي سيان ... انا الآن أسبح في روائح متوهجة ... غوغاء الثورات ...
قال لي آنذاك : ارجوك الصمت قبل ان أبرم الحبال تلو الحبال لجر هياكلك الى غياهبي تحت لفح رذاذي ...
- لا .. لا .. لا تخف .. انت لا تعرف كيف اضبط مفاصلي ... وكيف اعانق اعضائي في حالة الغضب ...
قال : انت الآن تخلخل اطمئناني ... وتؤجج تناقضاتي ... اتريد أن تجعل مني طفلا أحبو خارج مسكني .. لا .. لا ، بل أنا أعرف المشي جيدا وراء الكلمات .. وأنت لا تستطيع مسايرتي بالرغم من أن عمري قد اشرف على النفاذ...
قلت له : إني قادر على إخراج نفسي من مدينة الطين والحجارة والقصب ... لأسكن تحت مظلة شمسية في صحراء الشواطئ مع الضالين ... لماذا تصوت دوما لتضر بأمة كاملة وقد أسدت الخير إليك .. اتريدني أن أكتري بيتا في فندق بخمس نجوم في حي شعبي ... وأمد إبهامي لسيارة تنقلني من هنا الى هناك ...
قال : فقط أطلب منك ألا تتسلق أدراج العاليات من أبراجي ... واصنع لنفسك ظلالا تقيك حرارة الشمس ...
- فأجبته : لست أنا المثقف الوحيد الذي يعيش في مأذبة الوحل .. وأتمنى أن يصهل فرسي في الفنادق الشهيرة ...
قال - اتريد أن تأخذ مدفأتي مهدا لك في هذا المكان لتحترق على ألسنة نيراني لتأخذ قرونا من الكلام ... أنا أيضا أكره ما تكرهونه ... لكني أكره أن يشطر قلبي إلى نصفين ...
- قلت له : لا تيأس ... فأنا أحارب السمنة كل يوم ... ولن يعتلي جسوري العائمة يوما زبد ماء ...
قال : توقف ... توقف ... أو لتكن الحرب بيننا ... أريد قهوة في ظرفية سليمة ..
فأجبته في الحين : لا ترتب تصعيد كلامي يا سيدي ... فأنا لا ملامح لهويتي ... سأنزوي وأضعني في مرتبة تسعف خلقي ... وأغني لك نشيد أسوار مناعتي ... وسوف لن أزين ذقني إلا بعد حين ... فأنا حرباء تتلون بلون الموجودات أمامها ...
وبعد أن أطبق الصمت على المكان وانتهى كلامي ، شكرته على أجوبته المتمرسة وقلت له :
تمنيت لو ان كل المنتخبين في بلادنا كانوا من طينتك ... سيفقهون عندئذ ما يكتب لهم ... ويوقعون ما يقرؤون بكل وعي ... ان بلدنا تورطت معهم حتى شحمة الأذنين ... فالبعض منهم لا يوقعون على ما يكتب لهم بالفرنسية إلا إذا أشاروا لهم إلى مكان التوقيع .. ويصوتون ب..لا ... اذا طلبت منهم الامتناع عن التصويت ..
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة