أنا لَنْ أتكلّمَ الآنَ عن حَنانِكِ وعَطاءاتِكِ الغَريزِيّةِ… والتي تَتْسِمُ بها كلُّ أمٍ… بَلْ عَن صفاتك الأدبيّة والحِكميّة
وهنا أُسائِلُ نَفسي
هل غادَرتِني حقاً يا أمي؟
ومنذ 35 عاماً!!!!… لا. لا. لا والله…
فإنَّكِ معي مُعظمِ ساعاتِ يومي… في مَطْبخِكِ...وأثناء جلوسكِ في بهو منزِلكِ… وأنتِ تَنْثُرينَ دُرَرَ حِكمِكِ بين زُوّارِك…
انتِ الآن أراكِ أمامي…
نَعمْ في سَريرِك... تَضَعين نظاراتك على عينيكِ…. تَسْتفْتحينَ صَباحِك بقراءةِ سُوَرٍ من كِتابِ الّلهِ الكريم…
ثم تَتَناولين بعدها كِتاباً من مَجموعَتِك الأسبوعيّةِ المُسْتمِرّةِ الجديدةِ والموْضوعَه إلى جانِبِك… على سَريرِك… وتغوصينَ في عالَمهِ… قصائد شعرية...قصص تاريخية… حتى وأنتِ في الخامسةِ والثّمانينِ من العُمْر يا حَبيبَتي…
أرى بين كفّيكِ الكريمتينِ آخِرَ عددٍ لأغيتا كريستي البوليسيّة…
إذ كانت زُوّادَتكِ الأسبوعيّةِ يا حياتي من القراءاتِ المُتَنوّعةِ الأبواب 📚…
وهذا ما جَعلَكِ مُتَميّزةً من بين الجميعِ يا أُمي… حيثُ كانتْ الأمّيةُ هي السّائِدةُ في تلك الأيّام…
اجلْ ياوالِدَتي الكريمة👍 كُنتِ مَوْسوعةً في الفِكْرِ... غايةً في الأدَبِ… بارعةً في التنظيمِ المعنويّ والمادّي…
كْنتِ يا ستّ الكُلّ… تُداوينَ كلَّ مُشكِلةٍ لجميعِ من هُم يُحيطون بكِ… ومِن بَيْنهم أهلُ الحيّ أيضاً…
كنتِ تُجسّدين الحِكْمةَ… والوَقارَ… ووسامةَ المُحيّا بذاتِك.
فإذا ما وقفتُ أنا امامَ المِرآةِ لأمشّطَ شعري… أرى نفْسي في وجْهِك!!! أمامي… ارى خُصَلَ شَعْركِ الكَثيفِ بين يَديّ… أخلّصُه وأُصفّفهُ… منتظرةً سماعَ دُعاءكِ الروتينيّ اليوميّ مِنْ لِسانِكِ العذْبِ قائِلةً:
( الّله يَرضى عَليكِ يا إمّي على عَدَدِ ما في شعرٍ في رأسي)…
ملاحظة: ( كان شعرُها رحمها الله كثيفاً جدّاً جداً)…
فأصْرُخُ ضِمْن ذاتي مُتَعجّبةً…
إذن كَيفَ يقولون أنك غبتِ عني يا امي!!!!
وهذا هو حُضورُكِ مُسْتدامٌ... هنا امامي!!! …
في مَنزلِكِ… في مَمّلكَتكِ الرّائِعةِ… في النّظافَةِ والتّنْظيمِ… في ذاكِرتي… على قزحيّةِ عَيْنيّ وعلى جدارِ قلبي؟؟؟؟…
رَحِمكِ اللّه يا ستّ الكلّ… وجَعلَ أعْمالَكِ الصّالِحة في دُنْياكِ خيرُ زادٍ وَرصيدٍ لك في بنكِ الآخرَةِ… هو جَوازُ مُرورِكِ إلى الفرْدوسِ الأعلى إنْ شاءَ اللّه…
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة