قادح زناد الحروف للنشر والتوزيع قادح زناد الحروف للنشر والتوزيع

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة

كتب ماهر المنزلاوي : ( تغيب الوعي )

إن للعقل أهمية كبري ، وفائدة عظمى ، وضرورة قصوي ، وهو النعمة التي كرم الله سبحانه وتعالى بها الإنسان ، وميزه علي سائر مخلوقات ، وجعل سبحانه وتعالى ، الحفاظ عليه ، من مقاصد الشريعة ، وحرم كل ما يغيبه ، من خمر وغيره ، وجعله أساس التكليف والالتزام بأوامره ونواهيه ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) .

ولا شك أن الإنسان الواعي المدرك ، أفضل بكثير من الفاقد للوعي والإدراك ، فتجد تصرفاته متوازنة وهادئة ، ومتمشية مع النسق العادي للأمور ، وموافقة مع المنطق السديد والفطرة السليمة ، والتي تكون أنفع للفرد وللمجتمع ، سواء كان هذا الوعي ، ديني أو أخلاقي أو معرفي أو ثقافي ، وفي كل مجالات الحياة ، والتي تجعله معول بناء لنفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه .
إن استخفاف الطغاة للشعوب والجماهير ، وحرمانهم من كل سُبل المعرفة ، وحجب كل سبيل للوصول إلى الحقيقة ، وإلقاء الرعب والخوف في قلوبهم ، وتكريس الهجوم علي الشخصيات الناجحة ، والإساءة إلى الرموز الوطنية والدينية ، وتفكيك العلاقات بين أبناء الوطن الواحد ، حتي يصير كالجذر المنعزلة ، وصرف انتباه الأمة عن القضايا المصيرية ، واشغالهم بقضايا تافهة وفرعية ، ونشر الشائعات ، ما هو إلا تغيب مُتَعَمّد للوعي .
إن العدو الحقيقي ، والخطر الداهم ، للأنظمة المستبدة ، والحكومات الفاشية ، هو وعي الشعوب ، واستخدام أبنائها للعقل ، وتحصنهم بالعلم ، وقضاءهم على الجهل ، لذلك تحرص كل الحرص ، على إبقاء الجانب العلمي والمعرفي والثقافي في أسوء حالاته ، واردأ مستوياته ، حتي يسهل السيطرة عليهم ، ولكي تضمن بقائهم بلا أنياب حقيقية .
يُحكى أنه في العاصمة الهندية نيودلهي، كان سفير بريطانيا ، يمر بسيارته مع قنصل مملكته ، وفجأة رأى شاباً هندياً جامعياً يركل بقرة ،
أمر السفير البريطاني سائقه بأن يتوقف ، وترجّل من السيارة مُسرعاً نحو البقرة "المُقدسة"، يدفع عنها الشاب ، صارخاً في وجهه ، ويمسح على جسدها طالباً الصفح والمغفرة ، وسط دهشة المارة الذين تجمعوا بعد سماع صراخ السفير البريطاني ،
وفوجئ الحضور أن السفير البريطاني ، يأخذ من بول البقرة ويمسح ببولها وجهه ، فما كان من المارة ، الا أن سجدوا تقديراً لربّهم "البقرة"، ذلك الربُّ الذي نصره السفير البريطاني ، وتوجهوا بعد ذلك إلى الشاب الذي ركل البقرة ، وأوسعوه ضرباً أمام البقرة انتقاماً لقدسية مقامها ورفعة جلالها .
عاد السفير بقميصه المُبلل بالبول ، وشعره المنثور ليركب سيارة السفارة ، إلى جانب القنصل الذي بادره السؤال ، عن سبب ما فعله وهل هو مقتنع حقا بعقيدة عبادة البقر ؟ أجابه السفير: أي بقرة يا عزيزي ! هل نسيت أننا تناولنا على الغداء لحم بقرة ..؟ اسمع.. إن ركلة الشاب للبقرة ، هي صحوة وركلة للعقيدة المغلوطة التي نريدها ، ولو سمحنا للهنود بركل العقائد المغلوطة كما فعل الشاب ، لتقدمت الهند خمسين عاماً إلى الأمام ، وحينها سنخسر وجودنا ومصالحنا الحيوية ، فواجبنا الوظيفي هنا ، هو ألا نسمح بذلك أبداً ، لأننا نُدرك بأن الجهل والخرافة وسفاهة العقيدة ، هم جيوشنا في تسخير المجتمعات .
إن هذه القصة تعبر عن وجه من وجوه ، فن تجريف العقول ، وتغيب الوعي ، الذي يهدف إلى بقاء مئات بل آلاف من عُبَّاد البقر ، ومُرِيدون الوثن و الحجر ، ومُألِّهُون البشر ، تتصدر المشهد في كافة المجالات ، دون أن يناقشهم أحد ، وجعلهم تابوهات مُقدسة ، من يخرج عن رأيهم ، فهو آثم يستحق التخوين و التنكيل والطرد والإبعاد .
وفي قصة فيلم " تيتانيك" ، آيه وعبرة ، وخير دليل ، وأوضح شاهد ، علي تغيب الوعي ، فقد غرق معظم من على السفينة ، وبالرغم من أن معظم الغرقى ، كانوا من النساء والأطفال وكبار السن ، إلا أن حبكة الأحداث التي قام بها المخرج ، جعلت تعاطف المشاهدين مع بطل الفيلم ، أكثر بكثير من تعاطفهم مع غيره بالرغم من كونه ( لص وعربيد ومُدمن خمر ولاعب قمار ) .
هكذا يتلاعب الإعلام بالعقول ويجعل المشاهد يرى ما يريده المخرج ، ويتأثر المشاهد وينفعل ، وينفطر قلبه من البكاء لأن المخرج استخدم من المؤثرات الصوتية والضوئية والتصويرية ما يجعله يلعب بعقول وقلوب ومشاعر المشاهدين كما يلعب الصبيان بالكرة .
إن بناء وعي المجتمع لا يتأتى إلا ببناء وعي أفراده ، ببناء وعي الإنسان لذاته ، والتي لا تتم إلا بالعلم والمعرفة ، في كل مناحي الحياة ، من خلال عملية تراكمية ، تتوارثها الأجيال ، جيل من بعد جيل ...
قد تكون صورة مقربة لـ ‏شخص واحد‏


عن الكاتب

قادح زناد الحروف

التعليقات

طباعة ونشر وتوزيع ، ظهور إعلامي ، ورش أدبية
اشترك بالعدد الجديد من مجلة قادح زناد الحروف الورقية للتواصل والاستعلام / 0020102376153 واتساب
نحضر الآن للموسم السابع من برنامج قادح زناد الحروف للتواصل والاستعلام / 00201023576153 واتساب

اتصل بنا 00201023576153 واتساب

شاركونا الإبداع

جميع الحقوق محفوظة

قادح زناد الحروف للنشر والتوزيع