سلسلة الحب والعشق وما يدور فى فلكهما (1)الشوق
هو لهفة وحرقة ولوعة المحب الى محبوبه , وعدم صبره عليه وهو بجواره فما بالك وهو بعيد , والشوق نار مؤججة لا تنطفىء أبدا الا بلقاء المحبوب وضمه وعناقه والحديث معه , ولاحيلة لمشتاق فى الصبر , فهو مخمور العقل , مسئومه , فلا ترقأ له عين , ولاينام له قلب , ولا تخمد له روح, وكم قتيل لشوق لم ينطفىء, ولقد بدأت السلسة بالشوق , لانه أعمق مقامات الحب , ولا يسلم محب منه , والشوق اذا تدرج من البشرية الى مقام أعلى مثل الشوق الى الاله والى رسله والى أوليائه , فلا يندمل أبدا بل هو دائم وقائم , وهنا الغيب يشبه الذبح للمشوق , خاصة وأن المشوق فانٍ فى عالم المشتاق اليه , هو محسوس وايمانى , ولكن الاحساس يكاد يشبه اليقين, أو هو يقين متجسد , ويخبرنا التاريخ والكتب السماوية , والسير , أن أصحاب الشوق من هذا النوع لو شقوا بالمناشير وسفكت دماؤهم لا يتغيرون ولا يتبدلون .
فهذا موسى الكليم "ع" عندما دعاه ربه للقائه والكلام معه , قاده شوقه الى العجلة باللقاء قبل موعده
قال تعالى " وعجلت اليك ربى لترضى " طه84
حتى ان السيدة عائشة أم المؤمنين لشوقها لربها ولكلامه , كانت اذا آوت الى فراشها تقول :هاتوا المجيد فتؤتى بالمصحف فتأخذه الى صدرها وتنام معه تتسلى بذلك " رواه سفيان عن مسعر
حتى ان الرسل من شوقهم الى ربهم فى تعلق دائم به وبكلامه ومنهجه وأى شىء يذكرهم به , حتى ولو لم يكن وحيا , فهذا رسول الله محمد "ص" : كان اذا أمطرت السماء , خلع ثيابه وتجرد حتى يصيبه المطر ويقول : انه حديث عهد بربى , قال أنس أصابنا ونحن مع رسول الله "ص" مطر , قال فحسر رسول الله "ص" ثوبه حتى أصابه المطر فقلنا : يا رسول الله لم صنعت هذا ؟ قال : لانه حديث عهد بربه تعالى " اخرجه مسلم
وقال تعالى لرسوله محمد "ص" عندما تأخر عليه الوحى " ما ودعك ربك وما قلى " الضحى اى ما تركتك ولا نسيتك ولا جافيتك يا محمد
وروى عن رب العزة : طال شوق الابرار الى لقائى , وانا الى لقائهم أشوق " تذكرة الموضوعات للفتنى 196
ولا يشك أحد فى أن محب الله لن يكره لقاءه , لانه يشتاق اليه , ولكن مصيبة الموت والحساب , قد تجعل البعض مع الشوق البركانى يخاف لقاء الله , لان الله شديد الحساب , فهنا خوف اللقاء لايعنى كره اللقاء كما يدعى البعض , فالمحب هنا عبد وله منهج , فقد يفرط فى المنهج , فمع الشوق يكون الخوف .
والشوق يجعل المحب صارخا بواحا غير كتوم لحبه حتى لوفضحه حبه , فهو لايهاب مغبته ولو قتل فى سبيله , مما جعل عاشق ينادينا بان نبوح ولا نخفى :
لا تخفِ ما فعلت بك الاشواق // واشرح هواك فكلنا عشاق
وجعل شاعرنا الجليل البارودى يقول ان صاحب الشوق لابد أن يعد عينه وقلبه للبكاء على المحبوب وفراقه والبعد عنه : فان كنت لى عونا على الشوق فاستعر//لعينك دمعا فالبكاء مريح
ولم يخفنا ابن زيدون لولاده شوقه وانه منتظر لحطة ان يطفىء شوقه باللقاء
متى أبثك مابى // يا راحتى وعذابى
متى ينوب لسانى //فى شرحه عن كتابى
يا منية المتعزِّى //وحجة المتصابى
وقال : أضحى التنائى بديلا عن تدانينا //وناب عن طيب لقيانا تجافينا
ان الزمان الذى مازال يضحكنا //أنسا بقربهم قد عاد يبكينا
حالت لفقدكم أيامنا وغدت // سودا وكانت بكم بيضا ليالينا
ليسق عهدكم عهد لسرور فما // كنتم لارواحنا الا رياحينا
وهذا جميل بثينة يحرقه الشوق فيقول :
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل //الى اليوم ينمى حبها ويزيد
ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة // بوادى القرى .. انى اذن لسعيد
يموت الهوى منى اذا مالقيتها // ويحيا اذا فارقتها فيعود
وقال آخر : أصد بأيدى العيس عن قصد أرضها // وقلبى اليها بالمودة قاصد ( العيس : الركب المرتحل )
وقال ابن الدمينة : بكل تداوينا فلم يشف ما بنا //على أن قرب الدار خير من البعد
فالفراق هو أشد من السيف على رقبة المشوق :
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد // لقد زادنى مسراك وجدا على وجدى
وما احلى ما قال الشريف الرضى من لوعة الفراق :
وتلفتت عينى فمذ خفيت // عنى الطلول تلفت القلب ( الطلول مكان سكنى المحبوب )
وقال : وكنت أظن الشوق للبعد وحده // ولم أدر أن الشوق للبعد والقرب
خلا منك طرفى وامتلا منك خاطرى // كأنك من عينى نقلت الى قلبى
أحن الى لقائك كل يوم // واسأل عن ايابك كل وقت
واذكر ما مضى فيفيض صبرى // وتنفر عبرتى ويبوح صمتى
ولى قلب اذا ذكر التلاقى // تظلم من يد البين المشت
دوقلة المنجى:
ان لم يكن وصل لديك لنا // يشفى الصبابة فليكن وعد
لله أشواقى اذا نزحت // جار بنا وطواكمو البعد
ان تتهمى فتهامة وطنى // وان تنجدى يكن الهوى نجد
فالشوق لا يخمد أبدا :
يقولون ليلى بالعراق مريضة // فياليتنى كنت الطبيب المداويا
فيارب اذ صيرت ليلى هى المنى // فزنى بعينها كما زنتها ليا
فشاب بنو ليلى وشاب بنو ابنها // وحرقة ليلى فى الفؤاد كما هيا
قيس بن الملوح وليلى :
خليلى ان لم تبكيانى ألتمس // خليلا اذا نزفت دمعى بكى ليا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما // يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
فيا رب سوِّ الحب بينى وبينها // يكون كفاف لا على ولا ليا
فما طلع النجم الذى يهتدى به // ولا الصبح الا هيجا ذكرها ليا
الشاعر وحيد راغب
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة