تحت جُنح الظلام تسلل ( أبولو ) إله الشمس الإغريقي عبر مياه البحر الأبيض المتوسط في رحلةٍ غامضةٍ كغموض نواياه وأهداف ؛ فلم يكمل الرحلة ، وأثبت البحر المتوسط بأنه عند عهده و وعده بألا يسمح لأيّ غازٍ بأن يُحقق هدفاً غامضاً أو خبيثاً ، فتحطم قاربه وذاب خشبه وجرفته الأمواج و التيارات المائية إلى حيث المكان الذي أتى منه وأن بعضها استقر على شواطئ البحر فكان حطباً للفقراء يستخدمونه لإشعال نار التدفئة وأفران الخُبز.
بحث رجالات القيصر عنه في مُختلف بقاع البحر المتوسط ولم يتمكن أحد من العثور عليه ؛ وظل أبولو صامتاً كصمته المستمر أكثر من ألفي وخمسمائة سنة ، ولم يكن بمقدوره العودة إلى وطنه وشعبه ورجالات دينه الذين آمنوا به ويقدسونه كاله ، ولكنه لم يعترض على تيارات مياه البحر وأمواجهه التي أخذته إلى حيث استقر به القدر قُبالة شواطئ فلسطين و تحديداً قبالة قطاع غزة ، ولم يُفصح عن نفسه مُتخوفاً مما يسمعه عبر ذبذبات وتيارات الأمواج عن وضع غزة المأساوي والحروب التي مرت عليها ، فأراد أن يتجنب أيّ سلوك قد يضر به لاعتقاده بأن أهل غزة قد لا يكون لديهم أيّ فكرة عنه فيساء التعامل معه على اعتبار أنه صنماً يؤمن به الكُفار .
ظل أبولو كذلك إلى أن جاءه أحد صيادي الأسماك عندما كعادته كل مساء يقوم بنشر شباكه في البحر على بعد مئتي متر من الشاطئ بهدف صيد مختلف أنواع الأسماك حيث يأتي في الصباح الباكر يجمع شباكه ويكون قد علق بها مُختلف الأشكال والأحجام و الأنواع من الأسماك .
تفاجأ ( مروان ) أثناء محاوله جمع شباكه وهو يضعها على ظهر قاربه الصغير بأن جزءاً من الشباك قد علق في مياه البحر ولم يستطع سحبها ، فظن بأن صيداً كبيراً قد يكون علق بها ، فأخذه تفكيره بأنه قد تكون سمكة كبيرة من أسماك القرش قد علقت بشباكه كالتي سبق أن اصطادها صديقه ( أدهم ) قبل سنتين ؛ فقرر مروان بعد أن فشلت جميع محاولات بتحرير شباكه بواسطة المجداف الخشبيّ الذي يستخدمه عند الإبحار بقاربه قرر أن ينزل إلى الماء والغوص إلى العمق باحثاً عن سبب تعثر شباكه .
خرج مروان مُسرعاً إلى سطح الماء والدهشة و الذهول باديان على وجهه بعد أن شاهد شيئاً غريباً قل علق بشباكه، ولكنه ليس أيّ نوع من الأسماك ظاناً بأنه جسد إنسان غريق قد علق بالشباك ، وبعد فشل محاولات العديدة لرفعه بين يديه ليضعه على ظهر القارب ، أدرك بأن ذلك ليس بإنسان غريق لثقل وزنه وعدم تمكنه من رفعه ، فأسرع للخروج بقاربه نحو الشاطئ طالباً من صديقه ( أدهم ) بأن يأتِ معه ليساعده في رفع ما وجده عالق بشباكه ، حاول الاثنان رفعه لوضعه على ظهر القارب فلثقل وزنه كاد أن يُغرب القارب فاقترح ( أدهم ) بربطه بالحبل ومن ثم سحبه إلى الشاطئ.
لم يتمكن الاثنان من سحبه فتجمهر بعض الصيادين والمارة ظانين بأنها لا يقدران على سحب الشباك لامتلائها بالأسماك فقام أ جميعاً بالمساعدة فتمكنوا من سحب ما ظنوا بأنه شباك صيد إلى أن أوصلوه إلى رمال الشاطئ ، فذهل الجميع مما شاهدوه ظانين بأنه كتلة صخرية.
بدأ مروان بإزالة الطين والطحالب والأعشاب التي تُغطي تلك الكتلة ، فتفاجأ الجميع عندما بدأت تظهر معالمها فبدأ بعض المتواجدين يقولون بأن هذا تمثال وآخرين يدعون بأنه صنماً .
بدى على وجه مروان الدهشة والسرور عندما همس له أحد المارة بأنه تمثال قد يكون مصنوعاً من الذهب ، ساعده عدة من الأشخاص برفعه ووضعه على عربةٍ خشبيةٍ يجرها حصان وذهب به إلى بيته البسيط الذي يقرب من الشاطئ حيث ألقى التمثال في باحة المنزل؛ وبدأ العديد من الجيران والأصدقاء بالتوافق إلى المنزل لمشاهدة التمثال وكل واحدٍ َوهم يدلي برأيه بشأنه ، فقام مروان بمنع النساء من مشاهدته كونه عاري وعورته بادية للعيان بوضوح .
انتشر الخبر في المنطقة إلى أن وصل لبعض المهتمين بالآثار القديمة التي تمتلئ أرض فلسطين بها وأجمع أكثريتهم على أنه تمثالاً إغريقياً قديماً جداً ويُعرف عند الإغريقين القدماء باسم ( أبولو ) وهو اله الشمس عندهم لذا فهو لا يُقدر بثمن، وأكد آخرون بأنه ليس ذهباً بل إنه مصنوعاً من معدن البرونز.
قام العديد ممن شاهدو التمثال بالتقاط صور له ومن ثم نشروها على صفحات المواقع الإلكترونية فوصل الخبر إلى خبراء الآثار الإيطاليون فبدأ أ بالتواصل مع بعض المهتمين بالآثار في غزة وتداولوا تقديرات ثمن هذا التمثال وأهميته التاريخية ، ولكن مروان تأثر بالآراء التي قالت بأنه لا يُقدر بثمن فطرح ثمناً له بمليون دولار لاعتقاده بأنه مصنوعاً من الذهب وأنه قد يكون تم طلاؤه بمادة البرونز لإخفاء حقيقة صنعه من الذهب خاصة وأن وزنه تجاوز المائتي كيلو جرام .
قام مروان بقطع أصبع من يد التمثال وذهب بها إلى أحد محال بيع المجوهرات فأكد له الجوهرجي بأنه ليس ذهباً إلا أنه يعتبر تمثالاً أثراً غالي الثمن لقدمه .
عاد مروان إلى منزله وسيل من الأفكار والخطط التي زاحمت تفكيره ونواياه وخططه التي ينوي تنفيذها بعد بيع التمثال بمليون دولار وأكثر، فكثرت أحلامه وأمانه بشراء قطعة أرض وإقامة منزلاً فاخراً عليها وكذلك شراء سفينة صيد كبيرة بكامل أدوات الصيد الحديثة .
وصل مروان إلى الزقاق الذي يتواجد بيته عند آخره ليجد رجالات الشرطة مع خبراء الآثار وأطلع ه على قرار مصادرة أبولو لأنه ملك للدولة .
اختفى أبولو ولم يعد مروان باستطاعتك أن يراه في الحقيقة إلا في أحلام الوهم .
د. عز الدين حسين أبو صفية
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة