دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

نظير راجي الحاج يكتب : ( في مثل هذا اليوم )

طباعة ونشر وتوزيع ، ظهور إعلامي ، ورش أدبية


_______________________

في مثل هذا اليوم، سنة2017 قررنا نحن مجموعة أصدقاء بالذهاب لرحلة ترفيهية إلى اليونان، خاصة بعد أن كنا في حالة ضجر وغليان، بعد إعلان ترامب في السادس من شهر كانون اول لنفس السنة، بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستعترف أن القدس هي عاصمة ما يسمى إسرائيل.

كان عددنا أربعة أشخاص، ولكون أحد منا ما زال يعمل بالسلك التربوي، كان هذا الوقت مناسبًا للسفر، لتزامنه مع عطلة نصف السنة الدراسية.

تعالوا معي في رحلتنا...

بعد مغادرتنا مطار عمان الدولي، وبعد ساعة تقريبًا، وصلنا مطار أثينا الدولي، ثم إتجهنا مباشرة إلى فندق (أستور).

كان هذا في إطار البرنامج المعد لنا للرحلة الجماعية، التي أعدتها لنا الشركة السياحية المنظمة.

زرنا أماكن عدة، منها زيارة منطقة الميناء، والجامعة القديمة

وآثار كالاكروبوليس.

في اليوم التالي زرنا مدينة  سالونيك الساحرة، ثم كانت أيام حرة لنا، إلى أن جاءت ليلة رأس السنة الميلادية.

إقترح  أكبرنا سنْا، أن ننهي رحلتنا بزيارة بار وملهى الفندق

ومشاهدة الإحتفال المميز لهذه الليلة.

تناقشنا طويلا حول هذا الإقتراح، بين أخذ ورَد، وموافقة وصد، وجرى حوار ساخن بين الحلال والحرام في هذه السهرة المقترحة، إلا أن صاحبنا الكهل صاحب الإقتراح، كان

أقوى من إبليس بالخداع والإقناع، وتساءل:_

أيهما أفضل ان نأكل ساندويشة يوميّا، أم ندخل مطعم فيه مما لذ وطاب؟ ، لماذا نشتري بقرة لتحلب، وهناك أنواع من الحليب بالسوق! قلت له:_يخرب بيتك على هالأمثلة

وضحكنا.

الحصيلة يا أحبتي أنه إستطاع أن يقنعنا جميعًا، بأن الهدف من السهرة هو معرفي فقط، ومعرفة الشيء خير من  الجهل به، وأقنعنا أيضًا بأننا لن نتنازل عن المباديء والعادات الأصيلة التي زرعت فينا من الصغر، من الدين والعُرف.

سألته:_ ماذا سنشرب هناك؟ وكنت أغمز إلى الخمور.

قال:_سنكتفي بشرب القهوة في الحانة، حتى أنه تحمس  وأشار انه ممكن أن يقنع اليونانيين للدخول للإسلام.

قلت:_كيف سنقنعهم، وفاقد الشيء لا يعطيه!

قال:_الله يسامحك، صحيح انا مقصر بأموري الدينية، لكن

 عندي ايمان أكثر منك، قد أقنع غانية، أو راقصة، فتتوب

على يدي، وأدخل الجنة بها.

أخيرا وتحت إقناعه المستمر لنا، والذي تحالف مع ما في باطننا من رغبة مكبوتة، وافقنا على قضاء تلك الليلة في البار

لأنني جبان، وأخاف زوجتي(لا تسخروا مني، الكل جبان)

حلفتهم جميعًا، أن لا يذكر أي منهم شيئًا عن هذه السهرة، بعد

 عودتنا للأردن، لكي لا تعرف زوجتي بالأمر، فتنقلب الرحلة على جلدي.

دخلنا الصالة...

كانت الأضواء الملونة المبهرة، والكشافات تتحرك بكل إتجاه

والدخان يملأ الصالة، والموسيقى تصم الآذان.

جلسنا حول طاولة منزوية تقريبًا، كان معظم الموجودين في الملهى من العرب، ظهر هذا من سحنهم وملابسهم، مباشرة

شعرنا بالزهو وعزة النفس والنشوة، وبكل فخر رفعنا رؤوسنا

عاليًا تناطح عباب السماء. 

كيف لا، ونحن نتواجد في كل المحافل الدولية، وكأننا أيضِا في مؤتمر قمة، عربي مصغر!

المذيع الداخلي على المسرح، أخبر الحضور باللغة اليونانية والعربية، بأن الفقرة الاولى ستكون للراقصة(رشا كوهين). 

إنزعجنا من هذا الخبر، وقررنا بأن نقاطع الراقصة، فنحن

ضد التطبيع.

قررنا أن ندير ظهورنا لها أثناء وصلتها، فعلًا والحمد لله

شعرنا أننا قدمنا خدمة للقضية الفلسطينية، وشعرنا أننا

 نسمع أصوات إبتهاجات الشهداء من موقفنا الوطني هذا ونسمع هستيريا الفرح من المساجين، لهذا الموقف النبيل الشفاف، اقصد. بالشفاف هو موقفنا، وليس ملابس الراقصة المحترمة.

إنتهت وصلتها، وتنفسنا الصعداء، وعدنا لجلستنا الاولى.

عاد المذيع ليقول:_

الآن مع قنبلة الموسم، والصاروخ  الصاعد، لهلوبة المسارح

صاحبة القد المياس، والعفة والإحساس، وذلك بوصلة رقص شرقي، على صوت المطرب رقم واحد بالشرق الاوسط

 المطرب (حمو بيكا).موسيقى صاخبة.. أضواء ملونة، كانت تصاحب صوت المذيع، ثم قال:_

 الراقصة العربية.. بوصلة أفئدة العرب(زيزي).

يا إلهي.. كم كان مقدار فرحنا وفخرنا، ونحن نسمع كلمة

العربية، فرحت عيوننا، واشرأبت أعناقنا إلى أعالي السماء. 

دخلت العفيفة الشريفة،يرافقها الطبول والصاجات، وبقايا

هدوم، زيادة في الصدقات، وتحفها قلوبنا.

قابلناها بعاصفة من التصفيق، ولولا وزني الثقيل، لوقفت فوق الطاولة لارقص مع حركاتها، ولكن أنا وأصدقائي

 لم ننس أن نرفع كوفياتنا، ونلوح به، ورحنا نغني:_

علّ الكوفية وعل ولولح فيها... هي بدورها، كانت لها لفتة كريمة، إذ بدورها تجاوبت معنا، ورفعت بيدها علامة النصر

قمنا جميعًا من أماكننا، وأخذنا معًا الصور التذكارية.

عدنا لطاولتنا، وتمنى صديقي الذي إقترح السهرة، أن تنال

هذه الراقصة شهادة الأم المثالية هنا عن الجالية العربية

أسوة بالراقصة فيفي عبده، وأن يسجل اسمها مع الأعلام

احمد زويل ونجيب سرور وفؤاد حداد ومحمد الماغوط

واحمد مطر وغيرهم.

ناديت النادل، وطلبت منه أن يكون المشروب للزبائن على حسابنا.

لاحظت ان هناك رجل يجلس وحده منزويًا خلف طاولة صغيرة، ويحمل بين يديه صحيفة عبرية، ويضع على رأسه بالمؤخرة طاقية(الكيباة) عرفنا من هذا ان الرجل من اليهود

المتشددين.

قلت للنادل:_

وزع مشروب الفودكا على جميع رواد البار، باستثناء ذلك الرجل، وأشرت له.

نظرت إليه لأتشفى به، حيث وزع المشروب على الجميع، وهو وحدة المستثنى. لكني صدمت، حيث وجدته يبتسم لي

إبتسامة عريضة، وعاد يقرا الصحيفة.

زادني تصرفه المستفز هذا، قهرًا وسخطًا وحقدًا عليه.

بعد دقائق، لم أعد أتحمل، قلبي يغلي من القهر منه.

وقفت وناديت بصوت عالي ومسموع، لكي يسمع الجميع

ولكي يخترق صوتي الضجيج الموجود بالصالة، حيث قلت:

أيها النادل..

قدِّم مشروبًا آخر للجميع، وتقدمت باتجاه الرجل، وجهي بوجهه، وأشرت له بإصبعي،أما هذا، فلا تقدم له المشروب. 

الكل يشرب الا هو.

كنت اتوقع ان كلامي القاسي هذا، سيجعل الرجل يقفز من مقعده، ويلطمني، او على الأقل يوبخني..

لكنه هز رأسه علامة الرضا، وابتسم إبتسامة أعرض من سابقتها، وزاد الطين بلة، بقوله لي:_شالوم.

كدت اموت غيظًا، قلت سأستخدم سلاحي الأخير، سأعرفه

من هو العربي.

قمت مع أصدقائي، ورحنا نقذف ما تبقى معنا من دولارات

على صدر الراقصة الشقيقة، والرجل يبتسم لنا!

يا إلهي ما أثقل دم الرجل، عديم الأحساس، كيف إنتصر هؤلاء الأوباش علينا!

عدنا لمقعدنا، سرق منا المشوار، كما قالت فيروز.

قلت للنادل:_

يا سيد، ذلك الرجل، وأشرت باتجاه الرجل، كان سعيدًا ومبتسمًا، ما أحقره. 

لقد أهنته اكثر من مرة، وهو يبتسم، إبتسامة بلهاء،وكأنه يسخر منا.

قال النادل:_

يا سيدي، أتعرف لماذا كان سعيدا، لأنكم إشتريتم كميات كبيرة من الخمور، وقذفت الراقصة بالدولارات، كل عوائد هذا سيعود لجيب الرجل،إنه( صاحب الحانة).

دموع ساخنة قفزت من عيوني، شريط مر أمامي، أيتام.. أرامل أهالي معتقلين، مهجرين، هم بحاجة لاموالنا.

يا إلهي.

لماذا ذهبت.. لماذا شربت؟ ليتني مت من الظمأ..

ليت قدمي بترت، وهذا المكان لم أطأ..

كأني زرعت قلبي داخل عدوي، وبه إختفى واختبأ.. 

ثم أهتز قلبي، وانتفخ، ثم إنتفأ..

ليتني مت بالطريق بين خيط الصواب وخط الخطأ..

___

من كتابي

مسافر زادُه الخيال

نظير راجي الحاج


عن الكاتب

قادح زناد الحروف

التعليقات

شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة

اشترك بالعدد الجديد من مجلة القلم الورقية للتواصل والاستعلام / 0020102376153 واتساب

اتصل بنا 00201023576153 واتساب

شاركونا الإبداع