المجموعة الاولى –اصحاب الجنة فهم ايضا يقسمون قسمين:
الاول هم السابقون السابقون وهم المقربون من الله سبحانه وتعالى
*
قال الله تعالى :
( والسابقون السابقون * اولئك المقربون * في جنات النعيم * ثلة من الاولين * وقليل من الاخرين * على سرر موضونة* متكئين عليها متقابلين * يطوف عليهم ولدان مخلدون * باكواب واباريق وكاس من معين * لا يصدعون عنها ولا ينزفون* وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون* وحور عين* كامثال اللؤلؤ الكنون * جزاء بما كانوا يعملون * لا يسمعون فيها لغوا ولا تاثيما * الا قيلا سلاما سلاما * )
سورة الواقعة الايات \ 10-26
فهم اذن السابقون السابقون بالايمان فهم الذين سبقوا الى الايمان والطاعة من غير تردد وحازوا الكمال في العلوم اليقينية ومراتب التقوى والصلاح بعد الايمان وقيل هم الانبياء والرسل عليهم السلام حيث انهم مصدر الايمان من الله تعالى وموصليه لعباده جميعا . فهم حلقة الوصل بين الله تعالى وعباده . فهم المسارعون الى عمل الخير الذين رفعت درجاتهم وعلت منازلهم في جنات النعيم وقيل منهم الشهداء والاولياء .
والجنة لها ثمانية ابواب لكل منهم جزء مقسوم وافضل هذه الابواب باب يسمى باب الريان وهذا للصائمين فقط كما اخبرالحبيب المصطفى والابواب السبعة الاخرى يدخل منها المؤمنون كل حسب عمله . قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي :
( قال الله تعالى كل عمل ابن ادم له الا الصوم فانه لي وانا اجزي به )
وقد ذكر الله تعالى ان عددهم من الامم السابقة كثير وعددهم من امة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قليل حيث انهم الصفوة من بين كل الامم وبما ان الامم السابقة كثيرة فانهم كثير وان امة محمد صلى الله عليه وسلم امة واحدة فهم قليل بالمقارنة الى الامم السابقة وهؤلاء من لهم مرتبة السبق والقربى فلا ينال درجتهم الا القليل فقد رضي الله عنهم فاخلصو ا الايمان لله تعالى حيث خافوا الوقوف بين يديه في يوم القيامة فالتزموا الطاعة والتزموا الطريق العدل السوي واجتنبوا النواهي والمكاره فأعد الله تعالى لهم كل انواع النعيم وحباهم بكل الخير والسعادة والرفاه وقد ذكر الله تعالى انهم جالسون في الجنة على اسرّة وارائك مصفوفة متجاورة موشاة بخيوط الذهب ومرصعة بالدر والياقوت جميل شكلها بهيج منظرها متكئين عليها في غبطة وسرور في انس تام مكتمل وبشر ظاهر في وجوههم متقابلين يتسامرون فيما بينهم ويطالع احدهم وجه اخيه فيرى فيه نضرة النعيم .
وقد هيأ الله تعالى من يخدمهم ويمشي بين ايديهم غلمان مخلدون في عمرالصبا وريعان الشباب ولا يكبرون فيصيبهم الهرم في نضارتهم ثابتون وببهجتهم ونشاطهم ساهرون على خدمتهم فيقدمون اليهم كل ما يحتاجونه من شراب في كؤوس رائعة الصنعة واباريق يحملونها بايديهم وفي هذه الاباريق والكؤوس يسقونهم الماء من عيون وانهار ماؤها عذب زلال سائغ شرابه ولبن طازج لم يتغير طعمه ابدا وعسل مصفى خالص وخمرة فيها لذة للشاربين لا يصيبهم جراء شربها وتعاطيها اوجاع في الراس ولا فقدان في العقل – كما يحدث للشارب اذا شرب خمرة الحياة الدنيا – وتبعث فيهم الراحة والنشاط واالبهجة والمسرة ويقدمون لهم كل ما يختارون من انواع الثمار والفاكهة ما تشتهيه انفسيهم وتلذ به اعينهم ويسارعون في تغذيتهم بما يريدون من لحم طير وهو افضل واجود انواع اللحوم واحسنها لجسم الانسان فيطعمونها كيفما شاؤوا ومتى ما ارادوا .
ويأنسون بنساء من الحور العين تفرغن لهم يحبنّهم محبة الوفاء و الشوق و الوداد والاخلاص خلقن لهم خاصة فهن جميلات كاملات الحسن و الجمال والخلق الرصين بيض الوجوه كالاقمار. واسعة عيونهن في اطرافهن حلاوة وسحر طويلات الاهداب في سواد متميز جمعن كل الملاحة والصباحة والنفاسة ناصعات البياض باسمات الوجوه حمر الخدود في عيونهن حور مهيب. حور مقصورات في الخيام خلقن لهم خاصة لم يمسسهن قبلهم اي فرد من جن اوانس كانهن لؤلؤ مكنون باكرات غير ثيبات .
اما اقوالهم واحاديثهم فيما بينهم فهي مؤدبة مترعة بالايمان والصلاح فلا فحش ولا سقط كلام ولا عنف ولا سخرية من الاخرين في كلامهم فهم لا يقولون ولا يتحدثون الا بلهجة سلسة وكلام جميل ولفظ رصين بليغ تحيتهم فيا سلام وتحياتهم مباركة . تطمئن القلب وتسرالفؤاد كل يبتدئ اخاه في تحية الاسلام السلام عليكم .
المجموعة الثانية فهم الذين يدخلون الجنة ايضا الا ان حسناتهم اقل من المجموعة الاولى وهم اصحاب اليمين.
قال الله تعالى :
( واصحاب اليمين * ما اصحاب اليمين * في سدر مخضود* وطلح منضود * وظل ممدود * وما ء مسكوب* وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة * وفرش مرفوعة * انا انشأناهن انشاءا * فجعلناهن ابكارا* عربا اترابا * لاصحاب اليمين * ثلة من الاولين وثلة من الاخرين ) سورة الواقعة الايات \27-40
فهو المؤمنون من اصحاب الجنة وهم الذين تعطى صحائف اعمالهم في حياتهم الدنيا في يوم القيامة بايديهم اليمين او اليمنى وهي من البركة واليمن .فقد وصفهم الله تعالى بانهم اصحاب اليمين فهم في افضل حال واحسن مآل شأنهم عظيم وقولهم كريم قد تاب الله تعالى عليهم وغفر لهم ماتقدم من ذنوبهم وتجاوز عن سيئاتهم وصفح عنهم ورضى عنهم وهم الذين ثقلت موازين حسناتهم وخفت موازين سيئاتهم فاثابهم الله فوزا عظيما .
فهم اصحاب الجنة في مساكن طيبة في جنات عدن يعيشون في ظل ظليل واشجار مورقة من سدر ( نبق ) اوراقها واسعة تفيئ عليهم بظلها وكثرتها ترف رفيفا لينا وتحدث نسيما طيبا اثمرت واينعت فثمارها مختلفة الالوان والاحجام في كل غصن وعود كانها في اشجارها الورود او يواقيت حمر او درر بيض لم تمس او نجوم ساطعة في سماء صافية تمايلت اغصانها وتعانقت فروعها وخضد شوكها فلا اشواك فيها فهي لا تؤذي الايدي و لا الاجسام . وبين هذه الاشجار الكريمة الكبيرة الظلال اشجار من نخيل طلحها منضود وطعمها موجود وعذوقها ناضجة متدلاة بين ايديهم . وقد وجدت في بعض التفاسير انها اشجار من ثمر الموز نضدت اثمارها وتراصت اغصانها في اعذاقها بعضها فوق بعض . ومن بين هذه الاشجار تجري انهار وعيون ماؤها غدق عذب فيه لذة للشاربين فهم يعيشون بين هذه الاشجار متنعمين بكل انواع الثمار فهم في سدر مخضود وطلح منضود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة لهم ولا ممنوعة .عليهم دانية في جميع الاوقات والمواسم .
وقد انعم الله تعالى عليهم بالحور العين وجعلهن فراشا لهم اي ازواجا يقمن بخدمتهم ويسهرن على محبتهم وراحتهم قد غرس محبتهم في قلوبهن وافئدتهن يقمن بامتاعهم بالمؤانسة انشاهن الله تعالى خاصات لهم باكرات غير ثيبات لم يمسهن انس قبلهم لا جان كلهن في عمر الصبا والشباب لا يشبع المرء من كلامهن و حسنهن وجمالهم و الاجتماع بهن يملكن قلوبهم بحسن الطباع و معسول القول وجمال العشرة وبشاشة الوجه وسحرالعيون ورقة الطباع . فهم في نعيم دائم وظل قائم وفرح وسرور وزرق وحبور . لهم ما يشاؤون ولدى الله تعالى لهم من مزيد الخير والسعادة والهناء .
وهم في عددهم كثير.. كثير من الامم السابقة لكثر ة هذه الامم وكثير من امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نتيجة اعمالهم الصالحة وشفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لهم وشفاعة الشافعين من هذه الامة المرحومة من شهداء واولياء وصالحين وصديقين ومن منّ الله تعالى عليهم بحق الشفاعة منهم فيكون عددهم كثير كثير .
اما اصحاب النار فقد وصف الله تعالى حالهم فهم :
( في سموم وحميم * وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم * انهم كانوا قبل ذلك مترفين * وكانوا يصرون على الحنث العظيم * وكانوا يقولون ا اذا متنا وكنا ترابا وعظاما ا انا لمبعوثون * او اباؤنا الاولون * قل ان الاولين والاخرين * لمجموعون الى ميقات يوم معلوم * ثم انكم ايها الضالون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم * فمالؤون منها البطون * فشاربون من الحميم * فشاربون شرب الهيم *هذا نزلهم يوم الدين *) سورة الواقعة الايات \42-
فهؤلاء هم المبعدون عن رحمة الله تعالى وهم الكافرون وهم اصحاب المشأمة واصحاب الشمال . وهم صنف لا اعتبار لهم عند ربهم وجعلهم اصحاب المشأمة لشؤمهم او لان صحائف اعمالهم تسلم لهم يوم القيامة في ايديهم الشمال او اليسرى أي الذين تعطى اليهم صحائف اعمالهم بايديهم اليسرى وهم مخالفون لاصحاب اليمين . فهم يسيرون على كل امر مخالف لما امر الله تعالى به فهؤلاء وصفهم الله تعالى بانهم يقرأؤن في صحائفهم التي ستعطى لهم يوم القيامة قبيح اعمالهم وسوء مصيرهم فهم في عذاب شديد طويل لا ينتهي ابدا وحالهم سوء في سوء ومن سيئ الى اسوء وعيشهم نكد وشقاء فهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون يقيمون في ريح شديدة الحر تنفذ من مسامات جلودهم الى داخل اجسادهم وبين اوصالهم فتوخزهم اشبه بأبر موخزة شديد الوخز وان شربوا ماءا لعطشهم القاتل يشربونه ماءا حميما حارا يغلي في البطون كغلي الحميم لا يطفئ ضمأهم بل يقطع منهم الامعاء ويحرقها واما اذا قاموا في ظلال فهي من دخان حار قا تم يملأ الجو اختناقا والعيون حرقة وظلاما والصدور حرجا ونارا يسؤم الجسم و يعنت النفس كريه الرائحة قبيح الشكل وفيه عذا ب اليم هو جزء من العذاب المعد لهم و لسوء اعمالهم في الحياة الدنيا حيث كانوا ينعمون بالمال الحرام والمتاع الحرام والربا الحرام والسحت الحرام والسلب والنهب وسفك الدماء والبغي والاثم بغير الحق وبالعدوان . كما كانوا يخاصمون الله تعالى ولا يؤمنون به ولا باليوم الاخر ولم يستجيبوا للانبياء والرسل الداعين لطاعة الله تعالى وعبادته فهم المصرون على الكفر والشرك والفسوق والعصيان وتيقنت انفسهم ان لا حياة من بعد الموت فلا قيامة ولا بعث ولا جزاء ويتعجبون اذ يقولون في انفسهم ااذا متنا وفارقت ارواحنا اجسادها وصارنا جثثا هامدة تدفن في الارض فتطويها القبور وتأكلها الاتربة وتصبح جزءا من تراب ثم تنعدم القبور و تذهب فكيف تعود الينا الحياة وننهض احياءا من جديد ثم نقدم للمعاد و للحساب ان هي الا حياتنا الدنيا نحيا ونموت ويهلكنا الدهر . فهم في ظلمات خامدون وفي العذاب مشتركون .
وهناك قسم اخر ايضا ذكر في القران الكريم هم اصحاب الاعراف وقد ذكرهم الله تعالى في سورة الاعراف وهم الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم في الميزان فهؤلاء بين الله تعالى مصيرهم انهم يبقون معلقين بين الجنة والنار فهم يرغبون بدخول الجنة لكنهم لا يستطيعون دخولها فاعمالهم في حياتهم الاولى لا تؤهلهم لدخولها لان حسناتهم تساوت مع سيئاتهم فمنعوا من دخول الجنة وهم يطمعون او يتمنون ذلك . وقسم اخر ذكرهم الله تعالى هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فاصبحوا معلقين بين الجنة والنار فقلت حسناتهم عن حسنات اهل الجنة فلا يدخلوها وهم يطمعون او يتمنون دخولهم بها وزادت حسناتهم عن حسنات اهل النار فلا يدخلون جهنم فهم يخافون ان يدخلهم ربهم في جهنم فيدعون الله تعالى ( ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين ) فهم بين بين وقد اسماهم الله تعالى في كتابه العزيز ( اهل الاعراف )
قال الله تعالى :
( وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسينماهم ونادوا اصحاب الجنة ان سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين * )
الاعراف - الايات \46و 47
وقد خلق الله تعالى للنار سبعة ابواب .فيتوزع اصحاب النار على هذه الابواب كل بعمله . يدخلونها من ابوابها السبعة لكل باب منهم جزء مقسوم ولها ولها قعر ودركات واسفل هذه الدركات هو دركها الاسفل وقد اعد للمنافقين فهم في الدرك الاسفل من النار .
فاصحاب الجنة يدخلونها من ابوابها الثمانية . و منها باب يسمى الريان اعده الله تعالى للصائمين فضلا من الله تعالى اليهم ورحمة بـهم . والامة المحمدية هي الامة المرحو مة فسيدخلون الجنة باعمالهم وافعالهم واقوالهم وبشفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث شفعه الله تعالى في امته ومنحه( حوض الكوثر) في الجنة فمن سـقاه الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم منه شربة من حوض الكوثر ولا يضمأ فيها ابدا وان الله تعالى اكرمهم بامـور كثيـرة منها من قال: ( لا اله الا الله ) وكانت اخر كلماته في الحياة الدنيا دخل الجنة . وقد اخبرالحبيب المصطفى انه في يوم المحشر اويوم الجزاء والحساب: ( لو وضعت ( لا اله الا الله في كفة الميزان ووضعت السموات والارض في الكفة الاخرى لرجحت ( لا اله الا الله ) وكانت الاثقل ومن ثقلت موازينه دخل الجنة .
واني - والله - بطبيعة نفسي احب النور الجمال واحب الضياء والاشراق وشروق الشمس وسطوع القمر وتنشرح نفسي عند الفجر والشروق واعشق الخضرة و الزهور وابتهل اليه تعالى ان يجعلني من المؤمنين الصالحين من اصحاب الجنة .
و الحمد لله رب العالمين
تم الكتاب بفضل الله ونعمته
امير البيـ،ـــــــان العربي
د . فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق - ديالى - بلـــــد روز
************************
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة