دراسة مقارنة لشخصية المهاجر السري بين روايات: تحت ظلال الشمس( غسان كنفاني ).وسماسرة السراب(بن سالم حميش )وles clandestins للروائي المغربي الفرنسي mahi binbenne.
فالأدب يا مجمع المتأدبين صياغة وقوالب فنية لصور ومعان عديدة في دهن المفكرين الراغبين في نقل الموروت الأدبي لجمهور المتلقين الواعيين بالتطور الثقافي والأنتروبولوجي لسيرة الإنسان المعاصر، ولقد خلف التاريخ الحديث آدابا جرفتها الرياح وأخرى ستضل صامدة لأنها جزء من التاريخ نفسه تقيس درجة تحرر العقل والنفس البشرية.
ولقد عرف النقد الإجتماعي تطورا من عقد لعقد، ومن جيل لجيل. والمواضيع والصور بدورها اختلفت من بنية عقلية لبنية، نتيجة التطور المتسارع لبيئة الإنسان وعقليته، وطرق التعامل مع المحيط الجغرافي وزاد من حدتها اضطراب الدهنية من نظرة لأخرى، بين شيوخ يرون أن الواقع تحسن، وبين جيل جديد يرفض الجمود ويتبع نظرة الانثروبولوجيين (وجد الإنسان لتجاوز ماهو موجود).
هذا الجيل ينظر إلى الواقع بنظارة سوداء، وسخط وتدمر، وأضحى يفكر في مغادرة المكان تحت مسمى الحريك بالعامية وهي حرق الأوراق جميعها، ونكران الذات والهوية لحين .
وموضوع الهجرة السرية من حيث الرؤية والبحث جديد وعميق، تجلى خلال الألفية الثالثة نتيجة تراكم الوعي بضرورة التخلص من الأزمة الذاتية والموضوعية، ومن التدمر النفسي نحو البحث عن الخلاص، في الأوطان الأخرى، بغض النظر عن المعوقات والمخاطر التي تحدق بالمهاجر السري، في هذه الرحلة غير مأمونة العواقب كما يقول قيس بطل رواية تحت ظلال الشمس،للروائي العربي الفلسطيني غسان كنفاني.
تناول غسان روايته بنوع من الفحص والتمحيص والنقد الإجتماعي والسياسي بعفوية لهذا الأدب الجديد(الهجرة السرية )الغني بأدبه ومكوناته من بيان، مجاز وضروبه من استعارة وتشبيه وبديع الجناس وتورية وكناية، كلها أساليب استعملت في هذا الأدب ولاكتها ألسنة المهاجر السري ونفسيته المتدمرة التي ترى الأشياء بعين الحاضر سخط وألفاظ بذيئة استعملها الروائيmahi binbenneماحي بنبين المغربي الهوية والفرنسي اللغة والذي يحاضر في جامعة فرنسا لكنه متشبع بالصور المشينة للمهاجر الإفريقي الذي قدفته وتقدفه الظروف والمراكب الصغيرة نحو النجاة أو المماة. يصوره السارد وهو يتلفظ بكلمات بذيئة، ترد على لسان الموزع le passeur الذي يتكلف بتوزيع المهاجرين نحو المراكب مقابل أجر مادي كبير لشراء الأمل،من لذن مهاجرين أفارقة غير شرعيين تكشف من أسماءهم داخل الرواية أنهم ينتمون لجنسيات جنوب الساحل وغرب إفريقيا ومن الشمال.
يتخلل هذا الأدب ألفاظا جريئة، تدل على السخرية والهزل والتهكم من الحاضر ومن اللامعنى.
ينتقل الكاتب بسرد دوافع كل شخصية ،والتي استدعته للقيام بكذا محاولة قد تكون فاشلة، أو ناجحة، حسب فهمهم. ولكنها الحياة المليئة بالتجارب وأسرارها الخفية،مستندين إلى المثل السائر من يمارس يخطيء.
هكذا هي سيرة الإنسان الإفريقي الحاضرة في رواية les clandestins تمثل الرؤية المعاصرة للمفكرين الشباب وفكرهم النقدي النير للتعامل مع الآخر، ومع شروط المرحلة التي تقتضي الحزم مع الظاهرة التي استعصت على الحكومات، بكل أجهزتها المادية والبشرية.
سماسرة السراب رواية للكاتب المغربي بن سالم حميش يشير في بعض صفحاتها إلى التيه وغموض مصير المهاجر السري من دخوله إلى أطلال متخيلة لا نهاية لها، استعمل خلالها الابهام والبلاغات تتوخى ترك بصمة وصورة لغرابة الإنسان المعاصر.
فالهجرة السرية لن تكون موضوع الأدباء والسياسيين فحسب، بل هي تحصيل حاصل لتطور الرأسمال البشري وتغوله، وبحثه عن الأسواق الخارجية، متجاهلا القاعدة الحديثة رابح رابح، مما آل إلى ظهور أفواج وقوافل تخفي عين الشمس، وتقتفي أثر، شاتمين بلدانهم الأصلية بحروف وكلمات بذيئة ساخرة متهكمة هزلية ونفسية منهارة حاملين معهم صورا وذكريات أليمة لنساء يحملن مواليد، وكدمات نفسية وعصبية صعبة العلاج، من ترمل وطلاق. تلكم هي صفات عديدة يحملها هذا الأدب الجديد والغني بالوصف وسير الهزل والسخرية والتهكم.
تلك سيرة سعد وقيس هذا الأخير الذي يقبل الثراب الفلسطيني وقيمته بعد أن ترك زوجة تعيسة مغشية عليها وسط الفقر والسطو والاحتلال، مفكرا في الهجرة سرا عابرا حدود الصحراء نحو الكويت حيث الأمل، داخل خزان ساخن في جو حار ومثير للغثيان، يسوقهم أبا الخيزران الذي يقابلهم بسخرية وتهكم(لماذا لم تدقوا جدران الخزان)
وسط الخزان تلك مواقعهم حيث الألم والمواجع والصراعات الأليمة الأفقية. لتنتهي الرحلة بمجازفة المهاجر السري وخذلانه حاملا معه صيغ أدبية عديدة من وصف، وهزل وتهكم وسخرية من ذاته ومن الآخر المستعصي، وألفاظ غريبة جريئة تخدش السمع تعبيرا عن حاله وسط الغيوم بتعابير المجاز والبيان والبديع.
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة