قبل العيد بيومين عدت من مدرستي فرحة بإجازة العيد، وأنا على باب الحيّ القديم سمعت صوت قرآن يصدح وكلما اقتربت من البيت ارتفع الصوت، مشيت بخطى متثاقلة بالكاد وصلت لمصطبة لطالما كانت تجمع الجارات تارة على الخبز المرقوق وتارة على صبحيات القهوة، وجدتها تعج بنساء لا أعرف واحدة منهن، كن باكيات حزينات ومتشحات بالسواد،
تثاقلت خطواتي أكثر.. دخلت إلى الغرفة الكبيرة التي كانت لا تُفتح إلا بالمناسبات، هالني كم السواد فيها والازدحام الخانق وأصوات لم أعهدها من قبل وتلاوة قرآن عالية.. عالية جداً وبوسط كل هذا رأيتها.. أمي مسجاة بوسط الغرفة ممدة على سرير ملئ بالأغطية الحريرية المطرزة منثور عليها ورود من كل الألوان،
وقفت بجانبها وفجأة سكت كل شئ حولي وتلاشت كل الصور ولم أعد أرى إلاها
كأنها الأميرة النائمة.. بيضاء يشع منها نوراً غريباً
ساكنة.. هادئة ومبتسمة
وضعت يدي على يدها حاولت أن أناديها لتستفيق ولكن الصوت خانني بقيت فقط أنظر إليها بلا أي حركة ولا حرف ولا حتى دمعة.
لم أستفق إلا على صياح الرجال وهم يقولون وحدوا الله
وصيحات اللا إله إلا الله بلغت عنان السماء حملوها ومشوا فيها وأنا أمشي خلفهم، كان السير سريعاً ومنهكاً،
وصلنا إلى حيث النهاية بضع صلوات لم أفقه منها شيئاً ثم حفرة والكثير من التراب، غابوا وبقيت هناك متسمرة.. مشدوهة
ومشلولة التفكير والتعبير
حاولت أن أزيل التراب عنها بيدي الصغيرتين لكنني كنت أعجز من أن أفلح
حاولت أن أتكلم.. اناديها.. أصرخ
لكن حنجرتي كانت ممزقة عاجزة هي الأخرى.
وبقيت واقفة لا أذكر لكم من الوقت ثم سمعت شهقة بجانبي وجدت أختي تبكي، وضعت يدها على كتفي وحثتني على العودة إلى المنزل هرباً من ليل أسدل ستائره معلناً إنتهاء ذلك النهار
عدت وكان البيت فارغاً.. بارداً
بارداً جداً كل الناس حاضرة فيه إلا أمي التي رحلت باكراً دون إنذار
رحلت سريعاً..ورحلت دموعي معها.. ورحل عنا العيد
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة