القنديل بقلم / كامل بشتاوي ٢١/٩/٢٠٢٠
حمل قنديله المتعب
وسار يغلبه النعاس
يتلمس باب الغرفة
أو بعض ما تبقى منها
يقضم قطعة خبز
صادفها أمام العتبة
فتذكر التنور وشجرة التين
التي كان يشاكسها دائما
ليسرق منها بعض الثمار
يكسر بعض أغصانها أحيانا
عن غير قصد
فتصيح العجوز يا ويلك من الله
كسرت شجرة التين
وفجأة يصرخ من الألم
فقد اصطدم بحافة الباب المتهالك
فانتبه وتراجع قليلاً
يتابع السير ببطء وحذر
نحو قارب الصيد القديم
ضباب كثيف يحاصر المكان
ورذاذ ينسحب بهدوء
برد يستوطن الجسد النحيل
و يخترق قميصه البالي
وأقدام تتعثر بما لفظه البحر ليلاَ
لا شيء يواسيه بعد هذا العمر
تئن عصاه مع صوت الهديل
فتنزف عيناه حزناً
حتى تغيب ذاكرة المكان
فيجلس يتحسس جسده بريبة
خوفاً من أن يكون قد نسي بعضه
في زوايا البؤس
أو تحت شجرة هرمة
تنام على ضفاف النهر
يتأرجح القنديل حسب مشيته
وبسبب خدرٍ في يده
او بسبب تقدمه في العمر
لا بأس يقولها
وهو لا يعي إلى أين يسير
يتمسك بالقنديل وكأنه كنز ثمين
يحاول أن يصل للمركب
ليبحر إلى بعدٍ أخر
لعله يجد بعض السكينة
في مكان يأويه بعد تعبٍ
وفي الأثناء يلمح خيالاً
يتحرك من بعيد
يتساءل هل هو صديقي القديم
يتذكر بأنه قد فارق الحياة
في العام الماضي
لكن من صاحب هذا الخيال
يداعب سلحفاة صغيرة
ينتظر المجهول القادم من بعيد
وفجأة يظهر حارس الفنار
وبيده بندقية صيد قديمة
اعتاد على حملها عندما يخرج ليلاً
وبصوته الاجش يسأل
ماذا تفعل هنا يرتبك قليلاً
وتهرب الكلمات من فمه
لكنه يتماسك ويشير إلى البحر
وبكلمات متقطعة يقول
أريد أن أغادر المكان
فقد تعبت من ظلام الليل
وتكسر الأمواج على الشاطئ
اريد أن أجد عالماَ
أفضل من هذا العالم
وبحراً أكرم من هذا البحر
أريد أن أشعر بوجودي
فأنا مجرد شئ لا قيمة له
يخفت نور القنديل قليلاَ
ويخفت صوت الرجل
وتتبعه زفرة طويلة
وسكون يجتاح المكان
صمت حارس المنارة برهة
وهز صاحب القنديل
أمسكه من يده
مازحه قائلاً لا تمت
مازال هناك أمل في رحيلك
على قاربك القديم
لكن الصمت كان سيد المكان
ولم يعد لأي كلام معنى
فهكذا يموت الفقراء بصمت
يشبه صمت القبور
رحل وهو يمسك بيده
ما تبقى من كسرة الخبز
وبعضاً من أمل لم يتحقق
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة