في بداية عمر الدعوة إلى الإسلام بتوحيد الله عزّ وجل فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يَلد ولم يُولد ولم يكن كُفوا أحد ، وأن محمداً عبد الله ورسوله اصطفاه الله من بين قومه ليبلغ مُراد الله من الخلق أجمعين .
فكر الحارث بن نوفل القُرشي في الأمر جيداً ، فمحمد بن عبد الله الصادق الأمين المُتحلي بكافة خِصال الخير لا يَكذب ولا يَخُون ، لذا اقترب الحارث بن نوفل القُرشي من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد ، نعلم أنك رسول الله حقاً ، ولكن إن اتبعناك تتخطفنا العرب أي إن آمنا بدعوتك خالفنا العرب في مُعتقداتهم وبالتالي سيهجمون علينا ويتركوننا بين قتيل وأسير وجريح ومُشرد ، أي أننا إذا آمنا فقدنا الأمن المجتمعي الذي ننعم به ، فنزلت الآية الكريمة التي تحكي تلك المقالة وترد عليها ألا وهي قول الله عز وجل في سورة القصص : ( وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) .
فكانت الإجابة الشافية: يا معشر قريش ، أنتم تُشركون بالله فتجعلون له النِد والشريك في المُلك ومع ذلك بسط عليكم الأمن ويسر لكم الرزق ، فهل بعد الإيمان بالله ورسوله يتخلى عنكم؟. لا لا لا وألف لا لن يتخلى عنكم بل تصيروا أحبابه ويكتب لكم المحبة في قلوب عباده ، قال الله عز وجل في سورة مريم : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا ) .
بل ويكتب الله عزّ وجل لكم التمكين في الأرض ويبسط عليكم نعمة الله فلا يتخطفكم أحد أبداً ، قال الله عز وجل في سورة النور:( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ).
وأكد الله عزّ وجل هذا المفهوم حيث قال في سورة قريش ، ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ). الإيلاف مأخوذ من أَلِفَ : تقول العرب : ألفت الشيء إلفا وإلافا، وآلفته إيلافا: إذا لزمته وعكفت عليه مع الأنس به وعدم النفور منه .
فكأن الله سبحانه وتعالى يقول : يا معشر قريش ، اشكروا الله عزّ وجل على أن حبب إليكم رحلة الشتاء التجارية إلى اليمن ورحلة الصيف التجارية إلى الشام وجعل فيهما أمنكم وآمانكم واستقراركم وسِعة أرزاقكم ، فاشكروه بالإيمان به وبرسوله وبكتابه وبأخلاقه فتدوم عنايته ورعايته وحفظه ونصره وهدايته وتوفيقه وتمكينه لكم .
ويجب أن نؤكد على أن الخطاب كان لقريش والناس أجمعين منذ مئات السنين ، وهو خطاب ممتد إلى الناس في كل زمان ومكان إلى يوم الدين : إذا طلبتم الأمن المجتمعي فعليكم بأهم ركائزه وأركانه وأُسسه ألا وهو الإيمان بالله ورسوله وكتابه وأخلاقه منهاج حياة تُوهب لكم الحياة الآمنة المستقرة .
اللهم ارزقنا كمال الإيمان بالله ورسوله وأنعم علينا بثمراته في الدنيا والآخرة.
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة