... ودّعها تلك الليلة وظلّت تتحسّس قبلاته فتجد لها خدرا لم تألفه...
ظلّ صوته يتردّد في أرجاء البيت والكيان: " غدا، نحن مدعوّون إلى مائدة الوالدة... آه، كم اشتقتُ إلى أمّي وإلى طعامها الشهيّ...!! وهي أيضا قد اشتاقتك والأبناء... استعدّي وألبسيهم أحسن الثياب، وحالما أعود من العمل نذهب معا... كونوا جاهزين، لا تتركوني أنتظر !! "
تساءلت: لِمَ هو شديد الحرص على زيارة والدته وقد مرّ عليه زمن لم يرها، على حبّه لها؟؟؟ ثمّ حمدت الله على أنّه وجد لأسرته بعض وقت، فهذا العمل الليليّ قد أربكَ نسق الحياة الطبيعيّ، ولكن هل من اختيار؟!
باتت تعلّل النفس بلقاء حماتها التي ستكرم وفادتهم كرما حاتميّا وستزوّد الأطفال بما لذّ وطاب وبأصناف اللّعب والهدايا... بل إن الخيال قد جنح بها بعيدا: ستنتهز فرصة خروجهم من البيت وزيارة حماتها لتطلب منه أن يمرّوا على بيت والدها ولو مرورا خاطفا!!
أنامت الأطفال باكرا حتّى تتفرّغ للإعداد لهذه الزيارة ووعدتهم ــ إن ظلّوا مؤدّبين ــ أن تشتريَ لهم المثلّجات التي يحبّونها فأطاعوها مرحين مستبشرين...
لم يتمرّد عليها إلّا ذاك الرّضيع فقد ظلّ يناغيها وظلّت تهزّه هزّا لطيفا حتّى استسلم، بعد لأي للنّعاس...
أنجزت كلّ أعمال البيت ليلا وأعدّت كلّ ما يلزم للزيارة... بيْد أنّ النوم جفاها على تعبها!!!
استغفرت ربّها كثيرا وقرأت المعوّذتين مرارا... بلا جدوى...
عاتبتْ نفسها: " أ إلى هذا الحدّ يستفزّك طرب الخروج من البيت؟! "
نظرت إلى السّاعة الجداريّة كمن تترجّاها أن تسرع النبضات حتّى ينبلج صباح هذا الليل الطويل ثمّ تمدّدت إلى جانب أطفالها وأطلقت عنان أحلامها: " غدا تكبرون، يا كبدي وتحملون عبء المسؤوليّة مع أبيكم... غدا، تثمر جهود والدكم ويضحي شظف العيش رغيدا... غدا، تتزوّجون وتدعونني إلى بيوتكم وتزورونني فأغدق عليكم بما أستطيع إليه سبيلا... أيّها الغد الجميل سأنتظرك...!!! "
تهادت إلى مسامعها أصوات شماريخ متقطّعة حينا، مسترسلة آخر...
استبشرت خيرا وبان لها الفرج قريبا... إنّه فأل خير ولا شكّ...
ترى زفاف من هذا الذي تُطلَق فيه الشّماريخُ بهذا التّواتر؟!
حمدت الله على أنّ الرّضيع قد نام حتّى لا ينزعج فيطلق العنان لصراخه فيحرمها وإخوته من النوم...
لم يمض غير بعض زمن وجيز حتّى صكّت أذنيها طلقات ناريّة حادة متتالية، اهتزّ لها كيانها واضطرب خافقها كما لم يخفق أبدا...
استعاذت بالله من كلّ الشرور وهي تردّد: "اللّهمّ اجعله خيرا، اللّهمّ اجعله خيرا...!!!"
اقتربت من أبنائها، كمن تخشى شرّا مداهما واحتضنتهم بنظرات حانية...
أغمضت عينيها محاولة أن تغفو ولو لحين...
انقطعت الطلقات الناريّة فجأة وما عادت تسمع غير صدى هرج وضوضاء آتية من بعيد...
لم تستطع أن تتبيّن مأتاها ولا أن تعي محتواها، فاستسلمت لهدهداتها تعلو وتنخفض، تقترب وتبتعد...
أفاقت بعد إغفاءة لم تقدّر امتدادها على طرقات عاتية متلاحقة وهدير سيّارات وصراخ وعويل وأنين...
فتحت الباب على عجل تستجلي الأمر... شرطيّ وبعض الجيران يصعقونها بالنّبإ العظيم: " صبرا جميلا... لقد استشهد زوجك، يا...!!! "
مادت الأرض بها وفارقت الوجوه الشّاحبة الباكية على عزف غريب من الزّغاريد والنّحيب والولولة...!!!
ظلّ صوته يتردّد في أرجاء البيت والكيان: " غدا، نحن مدعوّون إلى مائدة الوالدة... آه، كم اشتقتُ إلى أمّي وإلى طعامها الشهيّ...!! وهي أيضا قد اشتاقتك والأبناء... استعدّي وألبسيهم أحسن الثياب، وحالما أعود من العمل نذهب معا... كونوا جاهزين، لا تتركوني أنتظر !! "
تساءلت: لِمَ هو شديد الحرص على زيارة والدته وقد مرّ عليه زمن لم يرها، على حبّه لها؟؟؟ ثمّ حمدت الله على أنّه وجد لأسرته بعض وقت، فهذا العمل الليليّ قد أربكَ نسق الحياة الطبيعيّ، ولكن هل من اختيار؟!
باتت تعلّل النفس بلقاء حماتها التي ستكرم وفادتهم كرما حاتميّا وستزوّد الأطفال بما لذّ وطاب وبأصناف اللّعب والهدايا... بل إن الخيال قد جنح بها بعيدا: ستنتهز فرصة خروجهم من البيت وزيارة حماتها لتطلب منه أن يمرّوا على بيت والدها ولو مرورا خاطفا!!
أنامت الأطفال باكرا حتّى تتفرّغ للإعداد لهذه الزيارة ووعدتهم ــ إن ظلّوا مؤدّبين ــ أن تشتريَ لهم المثلّجات التي يحبّونها فأطاعوها مرحين مستبشرين...
لم يتمرّد عليها إلّا ذاك الرّضيع فقد ظلّ يناغيها وظلّت تهزّه هزّا لطيفا حتّى استسلم، بعد لأي للنّعاس...
أنجزت كلّ أعمال البيت ليلا وأعدّت كلّ ما يلزم للزيارة... بيْد أنّ النوم جفاها على تعبها!!!
استغفرت ربّها كثيرا وقرأت المعوّذتين مرارا... بلا جدوى...
عاتبتْ نفسها: " أ إلى هذا الحدّ يستفزّك طرب الخروج من البيت؟! "
نظرت إلى السّاعة الجداريّة كمن تترجّاها أن تسرع النبضات حتّى ينبلج صباح هذا الليل الطويل ثمّ تمدّدت إلى جانب أطفالها وأطلقت عنان أحلامها: " غدا تكبرون، يا كبدي وتحملون عبء المسؤوليّة مع أبيكم... غدا، تثمر جهود والدكم ويضحي شظف العيش رغيدا... غدا، تتزوّجون وتدعونني إلى بيوتكم وتزورونني فأغدق عليكم بما أستطيع إليه سبيلا... أيّها الغد الجميل سأنتظرك...!!! "
تهادت إلى مسامعها أصوات شماريخ متقطّعة حينا، مسترسلة آخر...
استبشرت خيرا وبان لها الفرج قريبا... إنّه فأل خير ولا شكّ...
ترى زفاف من هذا الذي تُطلَق فيه الشّماريخُ بهذا التّواتر؟!
حمدت الله على أنّ الرّضيع قد نام حتّى لا ينزعج فيطلق العنان لصراخه فيحرمها وإخوته من النوم...
لم يمض غير بعض زمن وجيز حتّى صكّت أذنيها طلقات ناريّة حادة متتالية، اهتزّ لها كيانها واضطرب خافقها كما لم يخفق أبدا...
استعاذت بالله من كلّ الشرور وهي تردّد: "اللّهمّ اجعله خيرا، اللّهمّ اجعله خيرا...!!!"
اقتربت من أبنائها، كمن تخشى شرّا مداهما واحتضنتهم بنظرات حانية...
أغمضت عينيها محاولة أن تغفو ولو لحين...
انقطعت الطلقات الناريّة فجأة وما عادت تسمع غير صدى هرج وضوضاء آتية من بعيد...
لم تستطع أن تتبيّن مأتاها ولا أن تعي محتواها، فاستسلمت لهدهداتها تعلو وتنخفض، تقترب وتبتعد...
أفاقت بعد إغفاءة لم تقدّر امتدادها على طرقات عاتية متلاحقة وهدير سيّارات وصراخ وعويل وأنين...
فتحت الباب على عجل تستجلي الأمر... شرطيّ وبعض الجيران يصعقونها بالنّبإ العظيم: " صبرا جميلا... لقد استشهد زوجك، يا...!!! "
مادت الأرض بها وفارقت الوجوه الشّاحبة الباكية على عزف غريب من الزّغاريد والنّحيب والولولة...!!!
صفيّة قم بن عبد الجليل، تونس
مساكن، في 28 ماي 2014
الساعة الخامسة ظهرا
مساكن، في 28 ماي 2014
الساعة الخامسة ظهرا
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة