هذا الحبيب الذي ترجى شفاعته ... عند الصراط إذا ما زلت القدم
هذا الحبيب ... الذي حدثتكم عن ولادته
هذا الحبيب ... الذي حدثتكم عن صفاته
هذا الحبيب ... الذي حدثتكم عن أخلاقه وصبره
هذا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
فو الله لا أدري اليوم ، كيف أحدثكم عن وفاته
لأنه هو الحبيب {{ محمد }} صلى الله عليه وسلم
وصدقاً فقد كتبت هذا الجزء وما جفت لي دمعة وكأني مع الصحابة رضوان الله عليهم أعيش هذه اللحظات الصعبة
________________________________
ففي يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
وكان يوم الإثنين {{ ١٢ ربيع الأول }}
وقف {{ أبو بكر }} يصلي بالناس صلاة الفجر
وكانت هذه هي الصلاة رقم {{ ١٦ }} التي يصليها أبو بكر رضي الله عنه بالناس والرسول صلى الله عليه وسلم في حجرته
_____________________________
قام أبو بكر يصلي بالناس صلاة الفجر
وكان الصحابة يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلى صلاته بسبب ثقل مرضه
وكانت تقوم على وضوئه أمنا {{ عائشة }} رضي الله عنها
وكان يصلي على فراشه صلى الله عليه وسلم ، وهيئة فراشه كانت إلى القبلة
فكان يصلي على فراشه لا يستطيع أن يجلس
فلما كان اليوم الأخير من حياته صلى الله عليه وسلم
يوم {{ الإثنين }} عند صلاة الفجر
كان أبو بكر يصلي بالناس ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت قراءته من حجرته
فوجد من نفسه صلى الله عليه وسلم خفةً ونشاطاً
فقام و وقف على قدميه دون أن يتكئ على أحد
ثم كشف الستارة التي على حجرة {{ عائشة }}
[[ وكان بابها يفتح على الروضة محاذياً للصف الأول في الروضة ، فإذا خرج يكون وجهه لأصحابه وهم في الصلاة ]]
يقول أصحابه :_ وكانت صلاة الفجر ، والمسجد يضاء بالسراج لا يكاد الرجل يبصر أمامه
فلما كشف الستار صلى الله عليه وسلم ونظر إليهم ثم تبسم يضحك كأن وجهه القمر إذا اكتمل بدره
يقول أصحابه :_ فوالذي بعثه بالحق ، أضاء المسجد كأنه في رابعة النهار
[[ أي كأنه وقت الظهيرة ]]
حتى إننا لننظر للخيط والمخيط
[[ أي لو أراد واحد منا أن يضع الخيط في خرم الإبرة لاستطاع من شدة الإضاءة ]]
أضاء المسجد بوجهه صلى الله عليه وسلم
يقول أنس بن مالك :_ كأن وجهه ورقة مصحف
[[ كناية عن الجمال وصفاء الوجه واستنارته]]
يقول الصحابة :_ فرفعنا رؤوسنا ننظر إليه فهممنا أن نفتن من الفرح برؤيته صلى الله عليه وسلم
[[يعني كادوا أن يخرجوا من الصلاة بسبب فرحتهم برؤية الرسول وطلعته النوارنية عليهم ]]
قالوا :_ فأشار إلينا قائلاً الصلاة الصلاة ، وما ملكت أيمانكم
الصلاة الصلاة ، وما ملكت أيمانكم اللهم قد بلغت ، رفع أصبعه للسماء وهو يقول {{ اللهم قد بلغت }}
ثم أرخى الستارة
وصلى الفجر في حجرته صلى الله عليه وسلم
يقول أصحابه فكانت آخرة مرة رأينا بها وجه النبي صلى الله عليه وسلم
____________________________
وتفاءل الصحابة واطمأنت نفوسهم ، وسكنت قلوبهم ، فقد ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قد عاد إلى صحته وتعافى من مرضه
ولكنهم كانوا لا يعلمون أن هذه النظرة هي النظرة الأخيرة للطلعة المحمدية ، نظرة الوداع ، وأنه لن يخرج من هذه الحجرة عليهم أبداََ
وانطلق بعض الصحابة بعد صلاة الفجر ، يتدبرون شوؤنهم وقد اطمأنت نفوسهم على النبي صلى الله عليه وسلم
______________________________
حتى إذا طلعت الشمس ، صبيحة يوم الأثنين [[ يعني بحدود ما بين الساعة ٦ أو ٧ صباحاً ]]
واقتربت اللحظات الأخيرة من حياته صلى الله عليه وسلم
واشتدت الحرارة
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل يده في إناء من جلد به ماء، ويمسح بها وجهه
وهو يقول :_ لا إله إلا الله ، إن للموت سكرات ، اللهم أعني على سكرات الموت
____________________________
تقول السيدة عائشة جلس صلى الله عليه وسلم على فراشه
ورفع رأسه
فأتيت وأسندت ظهره إلى صدري ، فوضع رأسه بين سحري ونحري [[ السحر هو أول التقاء قصبات الصدر من الأعلى والنحر هو الحلق ]]
قالت فوضع رأسه بين سحري ونحري ، وأشرق وجهه كأنه البدر
فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر [[ أي أخوها ]] ليرى النبي وفي يده سواك لين أخضر
فظل النبي صلى الله عليه و سلم ينظر إلى السواك ولا يستطيع أن يطلبه من شدة مرضه
فقالت السيدة عائشة:_ يا رسول الله بأبي وأمي أنت ، آخذ لك السواك
فأشار برأسه أن نعم
فأخذت السواك من {{عبد الرحمن }} وقرضت الجزء المستعمل منه
تقول عائشة :_ثم لينته بالماء حتى طاب ثم دفعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاك به جيداً كأشد ما يستاك قبل ذلك
حتى إذا قضى رغبته منه ألقى به بيده على صدره
تقول :_ فأخذته فتسوكت به فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم في حياته صلى الله عليه وسلم
ألا والذي بعثه بالحق لقد مضت أيام بعد وفاته ، ما أكلت طعاماً ، ولا شربت شراباً ، مهما كان طعمه أو ريحه ، إلا وبقي طعم ريق رسول الله في فمي ، يغلب كل طعمٍ وكل ريحٍ
{{صلوا على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم}}
_____________________________
ثم رفع بصره إلى سقف الحجرة، وكأنه يرى مقعده من الجنة
ويعرض عليه التخيير بين الموت وبين البقاء في الدنيا
لأن عموم المؤمنين {{ يرون }}مقاعدهم من الجنة في قبورهم بعد موتهم
ولكن الأنبياء {{ يبشرون }} بذلك في دنياهم قبل موتهم
يقول النبي صلى الله عليه وسلم {{ إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يُخيَّر }}
تقول السيدة عائشة:_ ورفع النبي صلى الله عليه وسلم سبابته وسمعته يتمتم بكلامات
تقول :_ لم أفهمها فقربت أذني إليه وأصغيت له فإذا
هو يقول :_
مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
اللهم اغفرلي وارحمني ، وألحقني بالرفيق الأعلى
اللهم الرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى
ويكررها
تقول السيدة عائشة :_ فعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به
تقول :_ فقلت إذن لا يختارنا ، وعلمت أنه يكلم جبريل وأنه يخير
فقلت :_ بأبي وأمي أنت يارسول الله ، لقد اخترت الله علينا
فما زال يرفع أصبعه
وهو يقول :_ في الرفيق الأعلى ، في الرفيق الأعلى
واشتدت عليه سكرات الموت ، و بدأ النزع ، وحشرج صدره صلى الله عليه وسلم
تقول السيدة عائشة :_ ثم ارتخت يده إلى جانبه وأخذ يثقل جسده في حجري
فظننت أنه قد أغمي عليه كما في السابق
فوضعت رأسه صلى الله عليه وسلم على الوسادة وخرجت أخبر الناس أن رسول الله قد عاوده المرض
__________________________
فكان أقرب الناس إليه {{ علي بن أبي طالب }} فدخل ونظر في وجهه ثم أجهش علي بالبكاء
وقال بأعلى صوته :_ بأبي وأمي لقد قبض النبي ، لقد قبض النبي
[[ لقد مات حبيب الرحمن ، مات رسول الهدى ، مات الشفيق الرحيم بأمته ، مات شمس الحياة وبدرها
مات سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وسلم ]]
فارتفعت أصوات أزواجه بالبكاء ، وتسرب هذا الخبر الفادح إلى المدينة بسرعة مذهلة
فكان الصحابة في حالٍ لا يعلمه إلا الله ، في دهشة عظيمة لا يعلمها إلا الحي القيوم
وقفوا في دهشة وحيرة وهم بين مصدقٍ ومكذب
وضجت المدينة كلها بالأصوات والبكاء كأنه ضجيج الحجيج في منىً
ورفع عمر بن الخطاب سيفه وهو يقول :_والله ما مات رسول الله، لقد ذهب إلى لقاء ربه كما ذهب موسى إلى لقاء الله، وغاب عن قومه أربعين يوماً وعاد مرة ثانية، ورسول الله ما مات وسيعود [[ لم يتحمل عقله رضي الله عنه خبر وفاة النبي ]] وأذهل جميع الصحابة
فانطلق رجل في طلب {{ أبي بكر }} فوجده على راحلته قريباََ من مزرعته
فقال له :_ يا أبا بكر ، يا أبا بكر ارجع فقد قبض رسول الله
__________________________
فرجع أبو بكر مسرعاً ، ودخل المسجد فوجد الناس تبكي وعمر يهدد ويتوعد والسيف في يده ، فلم يلتفت إليه ولم يكلمه
ودخل إلى بيت ابنته عائشة
فوجد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حوله يبكون
وأم سلمة تنادي بأعلى صوتها
:_ وااا نبياه لقد انقطع عنا خبر السماء ، فلا ربط بين السماء والأرض ، فعلى من ينزل جبريل ؟؟
وفاطمة تنادي وتقول
:_ وااا أبتاه من ربه ما أدناه ، وااا أبتاه إلى جبريل ننعاه
وااا أبتاه جنة الفردوس مأواه
فلما دخل الصديق أفسحوا له المكان
فأتى جسد النبي صلى الله عليه وسلم ،وهو مسجىََ ببرد يماني فأماط البرد عن وجهه
وجثا على ركبته أمام الحبيب، ثم نظر إليه
ووضع يده على صدغيه، وقبَّلهُ بين عينيه وخديه وهو يبكي
وقال:_ بأبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً يا حبيبي
[[ بأبي وأمي ما أطيبه حياً وميتاً إلى يومنا هذا تطيب قلوبنا بذكره والصلاة عليه صلوات ربي وسلامه عليك يا رسول الله]]
ثم قال :_ أما الموتة التي قد كتبها الله عليك فها أنت قد متها ، ولا أنت أكرم على الله من أن يميتك مرتين ، ثم أجهش بالبكاء
وهو يقول: _ واااصفياه
واااخليلاه
وااانبياه!
ثم غطى وجهه ببرده ثم خرج إلى الناس
____________________________
خرج الصديق مطأطئ الرأس فوجد {{ عمر بن الخطاب }} لا يزال في ثورته وغضبه وهو يصرخ
ويقول :_ من قال بأن محمداً قد مات لأعلونه بسيفي هذا
[[ والناس يسمعون عمر ويتمنون صدقه ]]
فقال أبو بكر :_ على رسلك يا عمر
[[ وما زال عمر يهدد ومشرعاً سيفه وهو يقسم من قال أن النبي قد مات ليضربن عنقه ]]
قال :_ على رسلك يا عمر
[[فلم يسكت عمر ]]
قال :_ اجلس يا عمر
[[ وعمر يأبى إلا أن يتكلم ]]
فتركه ومشى إلى المنبر ورقى منه درجة واحدة
ثم قال بأعلى صوته :_ الحمد لله
فلما سمع الناس أبا بكر ، تركوا عمر وأقبلوا على أبي بكر
وقال :_ أيها الناس ، أيها الناس [[ فتجمع الناس حوله]]
:_ أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات
ومن كان يعبد {{{ الله }} فإن الله حيٌ لا يموت
ثم تلا قول الله جل وعلا
{{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }}
ما أجملك يا حبيبي يا {{ أبا بكر }} ذلك أن الصديق رجل يعيش مع القرآن رضي الله عنه وأرضاه
_____________________
يقول الصحابة بعدما سمعوا الآية :_ والذي بعثه بالحق وكأننا أول مرة نسمع هذه الآية ، وغابت عنا أنها من القرآن
[[ مع أنها نزلت قبل هذا التاريخ بسبع سنوات ]]
فأخذنا نتلوها والبكاء يغلبنا ونحن نقول ونردد
{{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ....}}
ثم نظرنا إلى عمر بعد أن سمعها فإذا بالسيف يسقط من يده إلى الأرض
ثم وقف وكأن الارض تدور به لا يدري أين يوجه وجهه ؟؟
وما راعنا إلا و {{ عمر }} يسقط على الأرض وقد أغمي عليه يقول الصحابة :_ فأخذنا نرش عليه الماء حتى أفاق
فلما أفاق
قال عمر :_ والله الذي لا إله إلا هو ، ما ظننت أن رسول الله يموت وغابت عني هذه الآية
_________________________________
ولما ثبت موت النبي صلى الله عليه وسلم للناس
قام رجل من الأنصار وهو في الروضة وقد بسط ذراعيه إلى السماء يدعو
وقال :_ اللهم إن كان نبيك قد مات حقاً ، فخذ بصري فإني لا أحب أن أرى وجهاً بعد وجهه ... فعميَ فوراً
وصاح آخر وقال :_ اللهم إن كان نبيك قد مات حقاً ، فألحقني به الآن فإني لا أحب الحياة بعده أبداً ... فوقع ميتاً فوراً
{{ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }}
_____________________________
وجلس الناس بالمسجد وعلا بكاؤهم ، وكانت المدينة قد امتلأت بالناس عندما علموا بمرض النبي صلى الله عليه وسلم
فقال أبو بكر :_ أرسلوا لإخوانكم خارج المدينة أن قد قبض رسول الله ، فليحضروا إلى دفنه والصلاة عليه
وأرسل إلى جيش {{ أسامة }} وكان بالجرف فرجع الجيش كله ، وغرس أسامة لواء الجيش على باب المسجد وكان تعداد الجيش {{ ٣ آلاف }}
رجعوا ليحضروا الصلاة على نبيهم صلى الله عليه وسلم
وجلس الناس وقد ذهلوا وغاب وعيهم
فأما علي رضي الله عنه فقد كسح [[ أي لم تحمله رجلاه إلى اليوم الثاني ]]
وكان عثمان رضي الله عنه قد خرس فلم يتكلم ولا كلمة إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام [[ أي الأربعاء ]]
وأخذت الوفود تفد إلى المدينة ، حتى غصت المدينة
وقد ارتفعت أصوات أهل المدينة بالبكاء في كل أنحاء المدينة
أحد التابعين اسمه {{ أبو ذؤيب الهذلي}} رحمه الله
جاء إلى المدينة في يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم [[ ولذلك فهو ليس من الصحابة وإنما من التابعين ]]
يقول: _ قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء، كضجيج الحجيج أهلّوا جميعاً بالإحرام
فقلت:_ ما هذا ؟
فقالوا:_ قبض رسول الله
_______________________
ثم أخذوا يتدبرون أمر تجهيزه صلى الله عليه وسلم ودفنه
وعندما شرعوا في هذا التشاور ، كان قد مضى النهار
وكان إذا دخل وقت الصلاة يصلي بهم {{ أبو بكر الصديق }} رضي الله عنه وأرضاه
والنبي مسجىََ في حجرته صلى الله عليه وسلم
فأخذوا يتشاورون أين ندفن رسول الله ؟؟
فمن قائلٍ :_ ندفنه إلى جوار منبره
ومن قائلٍ :_ ندفنه في وسط الروضة
ومن قائلٍ :_ ندفنه في البقيع
فقال لهم أبو بكر :_ على رسلكم فو الله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت أذناي هاتان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً ما نسيته وما غاب عني
قال صلى الله عليه وسلم :_ ما قبض الله نبياً إلا حيث أراد أن يدفن
[[ أي حيث يحب الله أن يكون قبره ]]
ثم قال :_ نرفع فراش النبي صلى الله عليه وسلم ويحفر تحت فراشه فهذا موضع قبره
____________________________
فلما كان الغد وأرادوا تجهيز النبي صلى الله عليه وسلم
أيضاً تشاوروا
فقالوا :_ أنغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثيابه أم نجرده كما نجرد موتانا ؟؟
فلم يجرؤ أحد أن يعطي فيه قولاً [[ لأنهم لا علم لهم بذلك ]]
يقول الصحابة :_ فألقى الله علينا النعاس فنمنا جميعاً
وإن لحانا لتدق صدورنا
ولم يبق يعي إلا أزواج النبي وآل بيته في الداخل
فنام الناس كلهم في المسجد [[ ولا يعني أنهم تمددوا على الأرض وناموا لا ]]
ولكن غشيهم النعاس ، وعلا شخيرهم ، فدقت ذقونهم صدورهم جميعاً
ثم سكتوا ، وساد الهدوء في المكان ، ولم يظهر صوت أبداً
حتى سمعوا صوت رنينٍ جميلٍ يخرج من حجرته صلى الله عليه وسلم
قالوا :_ لا نشك أنه صوت جبريل
فقال :_ لا تجردوا رسول الله واغسلوه في ثيابه
ثم قال معزياً :_ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، المحروم من حُرم الفضل والأجر ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، هذا آخر عهدنا بالأرض
يقول الصحابة :_ فعلمنا أنه صوت جبريل
______________________________
ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم أربعة يغسلونه،
علي بن أبي طالب، والعباس، والفضل بن العباس، وأسامة بن زيد
فجهزوا له الماء و وضعوا به نباتاََ يقال له السدر
[[ نبات له ريحٌ طيب ]]
وشرعوا في غسله صلى الله عليه وسلم في ثوبه
فكان العباس والفضل يمسكون جسد النبي
وأسامة يكب الماء
وعلي يغسله، دون أن يكشف جسده
إلا أن علياََ رضي الله عنه وضع على يده قطعة من قماش وأدخلها من داخل الثوب يتمم سنة الغسل وهي إجراء الاستنجاء أولاً
ثم دلكوه في ثوبه وريح المسك يفوح منه صلى الله عليه وسلم
وأخذ علي يغسله وهو يبكي ويقول:_ طبت حياً و طبت ميتاً يارسول الله
وكان صلى الله عليه وسلم لا يُرى منه ما يُرى من الميت
[[ مع أن وفاته صلى الله عليه وسلم في فصل الصيف
فكانت وفاته في ١٢ ربيع الأول
الموافق للتاريخ الميلادي {{ ٦/٨ عام ٦٣٣ ميلادي }}
فأتم من عمره الكريم بالتاريخ الهجري {{ ٦٣ }} سنة قمرية
وفي التاريخ الميلادي {{ ٦١ عاماََ و ١٨٢ يوماً }} ميلادي ]]
فغسلوه صلى الله عليه وسلم في ثيابه
_________________________
ثم أضافوا إليه ثوبين [[ أي الكفن ]] ثم لفوه صلى الله عليه وسلم بالدرج [[ ما نسميه بطانية ]]
إذن كفن صلى الله عليه وسلم بثلاثة أثواب فوق ثوبه الذي مات فيه
ثلاثة أثواب لا قميص فيها ولا عمامة ولا سروال
وبعد أن كفنوه صلى الله عليه وسلم
تذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه حديثاََ سمعه عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في أول مرضه
وسمعه أيضاََ الصحابة
فقد قال لهم النبي :_ إذا أنا متُ ، ولحقتُ بالرفيق الأعلى ، فضعوني على سريري ، واخرجوا عني جميعاً
فأول ما يصلي عليَّ جبريل والملائكة ثم تنزل ملائكة السماوات السبع يصلون علي ،فإذا غبتم عني ساعة
[[ وليس المراد بالساعة ٦٠ دقيقة كما نعرف أي شيء من الوقت ]]
فإذا غبتم عني ساعة ، فليدخل وليبدأ علي الصلاة أهل بيتي أولاً رجالاً ، ثم نساء أهل بيتي
ثم يدخل من بعدهم المسلمون أفواجاََ أفواجاً
__________________________
فصنعوا كما أمر صلى الله عليه وسلم و وضع على سريره في حجرته وأخلوا الحجرة تماماً
حتى مضى شيءٌ من الوقت [[وكان هذا ظهر يوم الثلاثاء ]]
فصلوا الظهر والنبي صلى الله عليه وسلم في حجرته
ثم شهد الجميع أن ريح المسك يخرج من حجرته صلى الله عليه وسلم
فعلموا أن صلاة الملائكة قد انتهت
_______________
فدخل آل بيته يصلون عليه ، وصلوا لا يؤمهم أحد
ودخلت أزواجه ونساء أهل بيته فصلوا عليه
حتى إذا فرغ أهل بيته بالصلاة عليه
قام شيوخ المهاجرين
أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة وعدد منهم
فدخلوا وهم يظنون أن أبا بكر سيؤمهم بالصلاة عليه
فوقف أبو بكر وقال :_
بأبي وأمي أنت يا رسول الله ، أنت إمامنا حياً وميتاً لا والذي بعثك بالحق لا يؤم أحد بالصلاة عليك
فأخذوا يصلون فرادى
كلٌ يصلي ويدعو ويخرج ، ويدخل عليه غيرهم حتى صلى عليه المسلمون جميعاً
فاستغرق هذا من الوقت من صلاة الظهر حتى صلاة العشاء
[[من الظهر للعشاء والمسلمون يدخلون لحجرته يصلون جماعات جماعات ويخرجون ]]
فلما هموا بحفر القبر [[ ولم يحفروه أولاََ ، لأنه قبض صلى الله عليه وسلم في حجرته مكان دفنه ، ليتمكنوا من غسله وتجهيزه ]]
وقفوا وقالوا :_ أنلحد لرسول الله أم نشق له شقاً ؟؟
فقال العباس عمه :_ نرسل إلى من يشق وإلى من يلحد فأيهما حضر يكون له الأمر
ثم بسط كفيه للسماء وقال :_ اللهم اختر لنبيك
وكان الذي يحفر القبر ويشقه شقاً في المدينة
{{ أبو أيوب الأنصاري }}
و الذي يلحد لحداً {{ أبو طلحة الأنصاري }} فانطلق رجلان كلٌ يدعو رجلاً
فحضر أبو طلحة قبل أبي أيوب
فقالوا :_ إذن ندفن رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريقة أهل المدينة فنلحد له لحداً
فقام أبو طلحة وحفر القبر
ثم قفز بالقبر علي بن أبي طالب و الفضل بن عباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسامة بن زيد
ولما أنزل صلى الله عليه وسلم في قبره
تذكر شقران قطيفة [[ والقطيفة ما نسميه قطعة قماش لها وبر بلغتنا مخمل ، يمانية كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليها قيام الليل وهو يتهجد فإذا نعس نام عليها ]]
فتذكرها شقران فهب من القبر مسرعاً وأخذها من الحجرة
وقال بأعلى صوته على سمع الصحابة
:_ لاااا والذي بعثك وقبضك إليه ، لا يصلي عليها أحدٌ بعدك أبداً ، ولا يرتديها أحدٌ بعدك أبداً
ثم وضعها على أرض القبر و وضع النبي صلى الله عليه وسلم في قبره عليها
ثم قال أنس :_ انتظروا لقد وقع مني خاتمي
فقالوا له :_ أهذا وقت مثل هذا ؟؟
ونزل أنس وقد رمى خاتمه قاصداً حتى ينزل إلى قبر النبي مرة أخرى
[[ لا يقدرون على فراقه صلى الله عليه وسلم]]
ثم أخذوا يهيلون التراب
فسمعت ابنته فاطمة أصوات المساحين وهي تهيل التراب على جسد الحبيب
فطلعت عليهم فاطمة من الحجرة المجاورة وأخذت التراب ولامسته وجهها تشمه
ورفعت صوتها وهي تقول
: _ وا أبتاه .. يا أبتاه .. يا أبتاه أجاب رباً دعاه
وا أبتاه إلى جبريل ننعاه! وا أبتاه في جنة الفردوس مأواه
ثم قالت وقد علا صوتها وبكاؤها :_
يااا أصحاب النبي ، أطابت أنفسكم أن تحثو التراب على وجه رسول الله بأيديكم ؟؟
فتوقفوا عن الدفن وأجهشوا وضجوا بالبكاء
فقال لها العباس :_ يا بضعة رسول الله نشدتك الله والرحم ، نشدتك الله والرحم ، إلا ما تركتنا حتى نفرغ من دفن رسول الله
فقام علي رضي الله عنه وأمسكها حتى أدخلها حجرتها رضي الله عنها وأرضاها
________________________
فلما انتهوا من الدفن
يقول أنس :_ ما إن نفضنا أيدينا من تراب دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت منا القلوب
والذي بعثه بالحق حين دخل المدينة يوم هجرته أضاء منها كل شيء ، ولما واريناه قبره أظلم منها كل شيء
فسنموا القبر [[ والسنام أن يجعلوا له حفة من تراب كسنام الجمل ]]
سنموا القبر ورشوه بالماء
________________________
وحان وقت أول صلاة فأذن بلال رضي الله عنه، فلما جاء عند قوله: أشهد أن محمداً رسول الله بكى بلال رضي الله عنه ولم يستطع أن يكمل الأذان فبكى الناس، وضجت المدينة بالبكاء
فكان حال الصحابة ولا تسأل عن حالهم ، فلقد تغيرت عليهم الدنيا وأظلمت ، كانوا ينظرون إلى آثاره ، إلى حجراته ، إلى منبره ، إلى مصلاه ، وممشاه ، إلى ذكريات كلامه ، فلم يعودوا يروا ذلك المربي والمعلم صلى الله عليه وسلم
لم يعودوا يرون ابتسامات وجهه الذي كان كأنه قطعة القمر
وغداً اللقاء يا حبيبي يا رسول الله ، فإن كان الموت هو اللقاء
فوالله لا نهاب الموت يا مرحباً بالموت ولقاء الأحبة محمداً وصحبه
____________________
وهكذا قد أتممنا وبفضل الله وكرمه
{{ السيرة النبوية العطرة }} على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، وأرجو من الله أن تكون قد أنارت القلوب وتشبعت بحب الله ورسوله وحب هذا الدين الحنيف
فالسيرة هي زاد كل مؤمن ومؤمنة ، وحب النبي صلى الله عليه وسلم هو رزق من الله لا يضعه الله إلا في قلوب من أحبهم
لا تنسونا من دعائكم {{ أخوكم في الله }}
أستودعكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
______________ الأنوار_المحمدية ________________
___________ صلى الله عليه وسلم _________________
من واجبك نشر سيرة نبيك صلى الله عليه وسلم .. لعلك تلقاهُ وهو راضٍ عنك عند الحوض .. وهذا أجرٌ يكتبُ لك في ميزان حسناتك
تم إرسال تعليقك
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة