عدت قبل قليل من اجتماع حزبي العام ... 1981... انا الآن في الثانوية العامة جلست أقرأ قليلا مرت أكثر من ساعتين.. أحدهم يطرق الباب بعنف... عرفتهم هؤلاء خفافيش الليل فقرقعة أسلحتهم اسمعها ... كنت الوحيد المستيقظ. فتحت الباب وقد عرفت الطارق.... يقف ابو جلال وهذا اسم ضابط المخابرات المسؤول أنذاك وجها لوجه.. لحظات وكان البيت الصغير يعج بالجنود... بحثوا في كل مكان عن شيء لا اعلم ما هو لم يجدوا شيء غير قصاصة ورق كان قد رسم عليها علم فلسطين.
بكل خبث والابتسامة تعلو وجه ضابط المخابرات يتوجه لأبي قائلا:
سنأخذ أسامة خمس دقائق ثم نعيده لك.
الخمس دقائق ...اربعين يوما في زنازين سجن السرايا في غزة.
***
أمام المحقق...
أخيرا طلبت للتحقيق أي أنني سأتحرر قليلا من هذا الكيس النتن...
جلست على كرسي بالكاد يسعني امام المحقق ، عرف عن نفسه بأنه ابو جمال طبعا كلها أسماء وهمية .. يعني ضابط في المخابرات الإسرائيلية واسمه ابو جمال؟
على كل حال بدأ وكعادتهم بالسؤال التقليدي:
-قول القصة
أنا: أي قصة ؟
- اسمع "ولا" احنا عارفين كل شي
أنا: طالما عارفين كل شي .. لماذا تسألني؟
هنا يستشيط غضبا ويبدأ السب والشتم بكل المفردات القبيحة.
نسيت أن أخبركم أن هذا المحقق كان طويل جدا بحيث انه عندما كان يمسك بشعري بقوة أشعر أنني معلق في الهواء..
على كل حال صار عندي قناعة انه لا يعلم شيئا وما يعرفه عني هي معلومات عامة هذا الانطباع جعلني أقوى ...كل محاولاته باءت بالفشل...الضرب والماء البارد والوقوف لأيام متواصلة لم تجدي نفعا .. استمر التحقيق قرابة أسبوعين.. بعدها نزلت الزنازين بقدمين متورمتين... استقبلني رفاق الزنزانة بالترحاب ومساج لقدمي لكي يخف الورم...
طبعا في هذه الأثناء تعرض صديقي يحيى لنفس السيناريو ولأنني أعرفه مناضل عنيد كنت مطمئن انهم لن ينالوا منه....
مرت الأيام طويلة ثقيلة .... خرجت من السجن بعد اربعين يوم ...
خرجت ابحث ذات اليمين وذات الشمال علني أرى صديقي.....
في غرفة الملابس حيث تركت ملابسي ولبست ملابس السجن وجدت احد السجناء القدامى فسألته عن صديقي... أجابني... غير ملابسك واذهب للبيت.......
***
بخطوات بطيئة ملتفت بين الحين والآخر للخلف عل صديقي يلحق بي... حتى وصلت بوابة السجن المركزي في غزة والمسمى السرايا.
كنت البس جاكيت بقبعة ورغم حرارة الطقس لبست القبعة لأخفي راسي الحليق...
أشرت لسيارة توقف ومجرد أن نظر إلي سألني... أكنت في السجن؟
اجبت : بلى وعذرا فأنا لا أحمل لا أوراق ثبوتية ولا نقود..
نظر لي نظرة كانت مزيج من العتاب والحزن ... قائلا: أصعد يا بني لا أريد منك شيء.
وصلت خان يونس إلى دوار الجندي المجهول.. ترجلت من السيارة وكلي امتنان لذاك السائق.. مشيت في شارع البحر وما زال قلبي وفكري هناك .. في السجن ابحث عن صاحبي ..
لا أدري كيف أخذتني قدماي إلي بيت صديقي وقد كان بيتي لا يبعد عن بيت صديقي أمتار معدودة ... طرقت الباب كانت والدة صديقي أم علي تجلس كعادتها في الركن المخصص على فرشة عهدتها... ألقيت نفسي في حضنها وحال لساني يقول اعذريني يا أماه فقد تركت صديق الروح خلفي.
أم علي يا سادة رحمها الله امرأة لا تقرأ ولا تكتب لكن وهبها الله عقل متفتح مدرك لأدق الامور كنت أحسبها وهي كذلك مثقفة، ثورية ، صاحبة فكر دون أن تقرأ كتابا...
قالت لي حينها : لا بأس يا بني يحيى سيلحق بك قريبا اذهب لوالدتك فهي تنتظرك بفارغ الصبر.
امي كادت أن تفقد الوعي عندما دخلت عليها البيت... فأنا المدلل لديها الخارج من السجن.
رفيق دربي خرج من السجن بعدي بفترة وبدأنا المشوار من جديد.
د. أسامة محمد زيدان.
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة