التساهل والتسامح بقلم / وحيد راغب ‏٥ يناير‏، الساعة ‏١٢:٥٠ م‏ ·

التساهل من السهل ضد الوعر لأن السهل وهو الملاينة من اللين ضد الصلابة , وهو المياسرة ضد العسر وهو التسامح من السماحة وهو المصانعة والهوادة والرفق والأناة والإغضاء , فكلها تعنى عدم التشدد فى المعاملة والحكم وبالنسبة للمرء نفسه كظم الغيظ والإحتمال لما لا يراد

وهو الفضيلة الإجتماعية التى تجعلنا نحتمل ونحترم عقائد الغير وأراءهم

قال الإمام على : أن معروف زماننا هذا منكر زمان مضى, ومنكر زماننا معروف زمان لم يأت

الابروير الكاتب الشهير :ما يعد حقيقة, جبال البريبة يعد خطأ وراءها

ومن لم يصانع فى أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم

أتطلب صاحبا لا عيب فيه وأنت لكل ما تهوى ركوب

الدين لله من شاء الإله هدى لكل نفس هوى فى الدين يعنيها

مثل إفرنجى : بدرهم عسل تمسك من الذباب أكثر مما تمسكه بقنطار خل

مالا يدرك بالمشادة قد يدرك بالملاينة

راهنت الريح الشمس , فقالت كل منهما من يستطيع نزع ثياب الرجل , فالريح اشتدت وتمسك الرجل برداءه فلم ينزع , واشتدت الشمس فأحس الرجل بالدفء فنزع ثيابه

فالأوهان بالرؤوس كالمسامير بالرأس لو كثرت الدق عليها ازدادت غورا ولكن اذا لنت معها استطعت أن تنزعها

معاوية بن أبي سفيان : عجبت لمن يطلب أمرا بالغلبة وهو يقدر عليه بالحجة ,ولمن يطلبه بخرق وهو يقدر عليه برفق

كان لعبد الله بن الزبير أرض بجوار أرض معاوية بن أبي سفيان الخليفة , فدخل عبيد معاوية أرض عبدالله وفيها عبيده يعملون فكتب الى معاوية غاضبا :أما بعد يا معاوية فإن عبيدك قد دخلوا فى أرضي فانههم عن ذلك وإلا كان لى ولك شأن والسلام , فأشار معاوية ولده يزيد فقال له: أرى أن تبعث اليه جيشا يكون أوله عنده وآخرعندك يأتونك برأسه فقال معاوية لا وكتب لعبد الله : أما بعد فقد وقفت على كتاب ولد حواري وساءنى ما ساءه والدنيا بأسرها هينة فى جنب رضاه , نزلت لك عن أرضى فأضفها الى أرضك بما فيها من العبيد والأموال والسلام .

فرد عبد الله : قد وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ولا أعدمه الرأى الذى أحله من قريش هذا المحل والسلام

فقال معاوية أنظر هذا فسر يزيد فقال له :يا بنى من عفا ساد ,ومن حلم عظم ,ومن تجاوز استمال اليه القلوب ,فاذا ابتليت بشىء من هذه الأدواء فداوه بمثل هذا .

مالك الفرس سابور بن أردشير خرج عليه مانى الزنديق فأشار النصحاء بقتله فقال لهم لا إن قتلته دون الحجة قال الناس ملك جبار واتبعوا مانى , فحاججه ثم قتله بعد أن غلبه بالحجة

ألقى الجنرال سمطس فى مدينة جلاسكو خطابا قال فيه عن سياسة وزير انجلترا الأكبر :

لقد ارتكب الوزير أغلاطا ولكنها أغلاط رجل سامى المدارك , وعندى أنه يجب فى الأوقات العصيبة التى يقدم فيها رجل لقود أمة أن لا ننظر الى أغلاطه بل الى عمله الكبير .

عداى لهم فضل على ومنة فلا أذهب الرحمن عنى الأعاديا

هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسونى فاكتسبت المعاليا

الصراحة أن يعتقد الإنسان كل ما يقوله , لا أن يقول كل ما يعتقد

قال رجل للمبرد أسمعنى رجل فى نفسي سوءا ,فاحتملته , وأسمعنى فيك سوءا فاحتملته , فقال المبرد له : احتمالك فى نفسك حلم ,واحتمالك في صديقك غدر

فلا تنفع الشدة فى موضع اللين ولا ينفع اللين فى موضع الشدة , فلا ينفع السيف موضع الندى :

ووضع الندى فى موضع السيف فى العلا مضر كوضع السيف فى موضع الندى

فالتسامح لا يعنى الجبن وعدم الشجاعة أى التفريط ولكن يعنى الشجاعة وقت الإقدام والجهاد ,فهو فضيلة بين الصلابة وفرط الملاينة , ولا يعنى الإفراط بمعنى التهور والحماقة , لأن التسامح فضيلة والفضيلة وسط بين رذيلتين الإفراط والتفريط , فالشجاعة وسط بين الجبن والتهور , والكرم فضيلة بين البخل والتبذير , والحياء فضيلة بين القحة والمهانة ,والوقار فضيلة بين الهزل والكبر

فالسماحة من سمح الرمح أى لان بمعني صلب ولكن ينثني ويرجع لصلابته , تفاخرت سنديانة بصلابتها وقصبة بليونتها فهبت الريح فكسرت السنديانة , ولانت القصبة فلم تكسر .

ففي المبادىء لا يجب اللين حتى يلين الضرس الماضغ للحجر

( إستعنت بمحاضرة لأنطون جميل 1918م ألقاها فى الأسكندرية فى جمعية الإتحاد اللبنانى )

الشاعر وحيد راغب