تشوشت من جميع الإتجاهات وأنا أمعن النظر في حجّار على ظهره قطع حجرية كبيرة, ينقلها من حافة إلى حافة, في سرعة الخطاطيف , بين الحين والآخر, تعترضه عثرات , فلا يركن لها, لكن على ما يظهر , لم يفتقد عصاميته , وقد أزمع أمره , وقد يكون فعله هذا على مضض .
الوقت هاجرة .. والفصل زمهريراً, فانتابني حال الشُّفقاء وهو يمسح عرقه بقُماشة قبل أن يرمي بها من خلفه .
كنت على وشك أن أقترب منه لأكون له مِعواناً, أو أدعوه الى المِراح لأشد أزراره حتى تعود الإبتسامة إلى ملامحه , لكن واجِساً مثل النُّصْب حال بيننا .
هاج سَخطي حينها , وتأكدت أن الحصول على الرغيف قسمة ونصيب , منه الرّجس والوسخ , ومنه النظيف والحلال .
من شدة البأْساء التي زلزلت مشاعري , سألت نفسي :ما الذي دفع برجل مسن الى الإقبال على عمل شاق كهذا ؟؟ قفة من أجوبة حضرتني .. سد الرمق .. دين على عاتقه .. تطبيب وعلاج لأحد أفراد أسرته .. أشياء لا أعرفها , توقف عندها عدّاد الرًّوية .
تصنفت علي الأرصفة لما كانت تزخر به من هرولة أطفال هُمل , وهم يقفزون حول الهرمين والهرمات , تفترش جلودهم أرض الله , ومأكلهم نُفاية وخبز بائت , ولباسهم هدوم تعافها الحيوانات , تكاد تحجب إنسانيتهم , وإفاضة الدمع ترقرق بأعينهم .
قصبتي الهوائية , هي كذلك كادت أن تضرب عن التنفس , لم تر بِشارة , ولا حتى الرمق الذي يندر بالخير .
العابرون من حولي على اختلاف جيوبهم وقاماتهم وأخلاقهم يحملقون بنصف المقل الى هذه المَسْكنة التي رمت بأعمار سحقها الدهر وزادها العبد سحقاً , حتى وجدت في آخر عمرها بين السندان والمطرقة .
ضاهرة مسودة ,نصطدم بها في زُقاق بلداننا لا تستوعبها مكاييل .
.. مثل الأسد , أصبت بانكسار وفتور , فزمجرت بداخلي وعزمت أن أدور دوران الخذاريف حول كل أرصفة مدينة عائمة في الوحل , ما فوقها صراع الطبقات , وما تحتها نار حامية ,حتى تتوقف أسناني عن قعقعتها .
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة