دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة

( رحلة الموت ) بقلم / إبتسام حمّود



 إنطلقت رحلة الموت عند الرابعة فجراً
كان الظلام دامساً وبرودة محببة تلامس الأجساد
كنا كثر نسير في طريق مهجور بوسط غابة موحشة قبل الوصول إلى البحر والانطلاق لوجهتنا
وصلنا منهكين وركبنا المركب المطاطي (بلم)  توكلنا على الله ومضى بنا المركب هادئاً وكل شئ حولنا كان هادئاً.
حتى صرنا في عرض البحر لا شئ حولنا سوى الماء وإشعة الشمس التي انعكست على الماء كانعكاسها على مرآة وأصبحت حارقة.
لا أنكر إنني شعرت في هذه اللحظات بالقلق وتوجست مما ينتظرنا ومما ستؤول إليه الأمور
ما هي إلا لحظات وبدأ الموج يخبط بالمركب وصار يتأرجح بنا  وبدأت الأصوات بالارتفاع خوفاً
كيف لا ونحن أكثر من ستين راكب في مركب صُنع ليتسع لخمسة أشخاص على الأكثر
ماهي إلا دقائق معدودة وانقلب بنا  المركب وسقطنا في الماء كالعصافير
حاولنا بالبداية أن نبقى على شكل مجموعة ولكن الأمواج منعت ذلك ففرقتنا وأصبحنا نبتعد عن بعضنا شيئاً فشيئاً حتى وجدت نفسي وبجانبي رجل  وزوجته تحمل طفلاً رضيعاً
تشبثنا ببعض وكل واحد يطمئن الآخر ويشد من عزيمته ويحثه على الصمود على أمل أن تهدأ الأمواج أو تمر سفينة ما تنقذنا ،
لا أذكر كم من الوقت مر علينا
فقد ازدادت أشعة الشمس حرقة وكأنها تعاقبنا على فعلتنا
وبدأ الجوع والعطش يبطشان بنا
وصراخ الطفل لم يهدأ وصار مخيفاً وموجعاً وأمه تحمله بثبات وكأنها لا تسمع صوته،
مر وقت طويل وبدأت أطرافي تبرد وتتعب وبدأ نفسي يضيق
وصارت أحداث حياتي السابقة تحضر أمامي حدثاً تلو الآخر وتوقفت عند والدتي المرأة التي ضحت بشبابها وصحتها لأجلي حتى بلغت سن الشباب وطلبت منها التوقف عن العمل علها ترتاح وعلني أعوضها عن سنوات القهر التي عاشتها بعد وفاة والدي
لكن الراحة  لم تُكتب لها لأن مرضاً خبيثاً سكنها وراح يأكل بدنها وصحتها ويتغذى على ما تبقى منها
كانت تعبة ذلك اليوم والعلاج باهظ الثمن وأكبر من جيبي ومحفظتي فيومها قررتُ أن أغادر وطني البائس والظالم واللجوء لوطن غريب لا يمت لي بصلة ولا يشبهني فقط لأنتشل أمي من قهرها وأجعلها تعيش ما تبقى لها بكرامة،
صورة أمي وآلامها وابتسامتها الحزينة لحظة الوداع شحنتني بالقوة بعد أن كدت أفقدها،
عدت للواقع على صراخ المرأة وهي تمنع زوجها من الاستسلام للبحر وتحثه على المقاومة حتى انها حاولت أن تحمله لكن تعبه ويأسه كانا أقوى فانزلق بين نقاط الماء وغاب وسط فقاعات من الهواء. 
شارفت الشمس على المغيب والبرودة زادت حدة والخوف ازداد والترقب
وبكاء المرأة توقف وحتى صراخ الطفل توقف
ومع حلول الظلام لاح لنا من البعيد ضوء خافت نجهل ماهيته
استبشرتُ خيراً وحاولت أن أنقل البشرى لرفيقتي لتعيد لها ما تيسر من الطاقة لكنها لم تكترث
كانت باردة ولا مبالية لا كلام ولا تعبير، فجأة رفعت طفلها ووضعته بين يدي وقالت
أرجوك لا تتركه وحيداً وأخبره إنني أحبه
وانزلقت هي الأخرى وغابت وسط فقاعاتها وانا غرقت وسط دموعي وبكيت كما كان يبكي صغيرها بكيت بصوت عالي وصرخت واستنجدت برب العالمين ورجوته أن يأخذ بيدي ويمدني بالقوة لأصل إن لم يكن من أجلي فمن أجل أم تقيم الليالي خوفاً علي وطفل رمته الظروف في عرض البحر وبين براثن الموت وليس له إلا الله.. وقوتي
وضعته على أكتافي متجاهلا بكاؤه الذي صار مؤنسا ودليلا على الحياة وسبحت باتجاه ذلك الضوء
رائحة الموت زكمت انفي وضيقت صدري وضغط الماء انهكني والخوف والقلق وما ينتظرني..
أمي وابتهالاتها وطفل أنا أمله في الحياة.. رفاقي
سبحت ومع كل حركة اصرخ يا الله
البرودة تلسعني بلا رحمة و بدأت أشعر بخدر بأطرافي
حتى إني كنت أشعر بقطع لحم تلتصق برجلي كنت اتعثر بالجثث
وكنت ادرك أنه وبأي لحظة توقفت ستكون نهايتي ونهاية الطفل معي..
مر الوقت ثقيلاً بطيئاً وبدأ الضوء يقترب وبدأ الأمل يكبر وبدأت استعيد قوتي كيف لا وأنا اقترب من حافة الحياة لكن هذه القوة لم تدم طويلاً سمعت صوت صفارة من بعيد فبدأت أبطئ الحركة وتجمدت أطرافي
رأيت ضوءاً عالياً أنار ما حولي ووسطه ابتسامة أمي.. واغمضت عيني
لاستيقظ وانا ممدد على سرير دافئ لا أشعر بأطرافي وكل ما حولي غريب.. الستائر والاجهزة والاضواء
ايقنت إنني وصلت لبر الأمان
لا أعرف كيف ولا بأي مكان
المهم اني وصلت
فرحت كثيرا ثم تذكرت الطفل هممت بالوقوف والذهاب للبحث عنه فدخلت ممرضة تحمله بين يديها.. وضعته على صدري كان دافئا جداً هادئاً ومطمئناً
أحطته بيدي ابتسمت وغفوت.



عن الكاتب

قادح زناد الحروف

التعليقات

طباعة ونشر وتوزيع ، ظهور إعلامي ، ورش أدبية
اشترك بالعدد الجديد من مجلة القلم الورقية للتواصل والاستعلام / 0020102376153 واتساب

اتصل بنا 00201023576153 واتساب

شاركونا الإبداع

جميع الحقوق محفوظة

دار نشر القلم للطباعة والنشر والتوزيع