عزيزتي / الغريبة
الثامن عشر من أيلول ،
كان المساء تلك الليلة طازجا رطبا ، يتكبد القمر سماءه ،
ضوؤه دافئ يضيء الزنزانة المستطيلة ، ناعم يخفف ما خلفه البُهم في وضح النهار ، وضاء أكثر من لمبة السقف الكئيبة المعلقة على بعد أمتار من سريري المطل من نافذة الحديد على روحي التي تنفذ من الحوائط والحديد والعساكر والبوابات ، من ذا يمنعها !
ولما كان " شاويش " الزنزانة متمردا لا يكترث بكتاب السجن المقدس ، فكان يسمح للجميع بأن يتسامروا طوال الليل دون إحداث ضجيج لئلا يشعر بهم الحيوان الرابض على بُعد خمس بوابات .
في تلك الليلة ، كان هنالك مجموعة تجلس تتابع فيلما أمريكيا في صمت شاهدوه عشرات المرات ، وأخرى تنصت إلى الراديو لديهم فضول معرفة أخبار الحياة ،
وفي الزاوية البعيدة ثلة من الثوار تريد القيام بتظاهرة
لخلع " شاويش " الزنزانة .
آخرون يثرثرون في أمور عديدة حتى إذا دنوت منهم لا أدري في أي موضوع على وجه التحديد يتحدثون .....
جلست على سريري المجاور لذلك النزيل الذي لا ينفك يكتب رسائل إلى زوجته والذي أرهقتني كتابة رسائله حتى تجاهلته .
نظرت من النافذة ، نافذتي الوحيدة على الحياة ،
استدار وجه القمر ، فاقتربت نجمة وحيدة تلمع عيناها ،
ترقبه كصياد يرقب غزالة ترعى الحشائش قبيل الغروب قرب صمت البحيرة .
تلك الليلة كانت الأكثر غرابة إذ شعرت بحرارة جسدكِ ،
سمعت تنهيدتكِ تتنفس الصعداء نحو السماء فارتسمت صورتكِ في البون الفسيح بين النجمة والقمر ،
قرأت قسماتكِ كما تقرأ العرافة فنجان قهوة ،
فهبت رائحة جلدكِ فعبقت الزنزانة بتساؤلاتكِ الصامتة الهاربة من مساماتكِ .
فهل أقنعتكِ إجاباتي ؟
قطع قلبي نياط قرابته بجسدي وأعلن العصيان ،
وكما تقفز كرة تنس بكف طفل من شرفته إلى المجهول ،
وكما تنفلت سمكة من شبكة صياد إلى ثغر موجة ثائرة ،
حلق عاليا !
هل أتاكِ ساعيا حافيا مجردا ؟
كنت على يقين أن هذا الماجن ،
قال لكِ ما لم يخبرني إياه ، وقطف لكِ تلك النجمة وعلقها حول رقبتك ، وسرق ضوء القمر وخبأه في خزانتكِ ،
ونام ليلته بين نهديكِ .
غفوت ليلتها بين المسافة والزنزانة .
شكرا لمروركم لا تنسوا متابعة المدونة ومشاركة نصوصكم على صفحاتكم ومواقع التواصل كافة